قبل سبعين عامًا، اقترح وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان، إنشاء "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب". بهذا الاتفاق المتواضع، أنشأت 6 دول أوروبية مزقتها الحروب سوقًا مشتركة، تطورت تباعًا حتى وصلت إلى ما أصبح يعرف بالاتحاد الأوروبي.
رحلة الاندماج قوبلت بصعوبات متلاحقة. جاء قادة وطنيون ورحلوا. بني جدار برلين وهدم. ضربت الأزمات الاقتصادية أوروبا، لكن بطريقة ما، وجد الاتحاد طريقه وأصبح أكبر سوق موحدة في العالم، سمح لشعوبه بالتحرك بحرية عبر الحدود، وأنشأ عملة موحدة، وتوسع إلى أن ضم 22 دولة، بما فيها 11 دولة عانت لعقود تحت ظل الشيوعية، وعزز السلام وانتشر الرخاء، وأصبحت أوروبا منارة القيم الليبرالية والرأسمالية.
في أوقات الأزمات العادية، من المفترض أن يمثل الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي ضمانًا لسلامة الدول الأعضاء، لكن ما يحدث حاليًا في ظل وباء كورونا، هو أنه يختبر عضوية تلك الدول من الأساس، وهو أكبر وأبعد من مجرد كونه أزمة اقتصادية كما هو الحال في أي مكان آخر بالعالم، الأمر يتحول سريعا إلى أزمة سياسية ودستورية.
مشكلة عدم التوافق تظهر بين أعضاء الاتحاد الأوروبي أنفسهم، لا على ما هو مطلوب لجعل الاتحاد أكثر مرونة، ولا حتى كيفية الإصلاح، ما يزيد الأمر صعوبة.
* السوق الموحدة: السوق الموحدة تخضع لقواعد صارمة تحد من الدعم والإعانات، لكن البند تم تعليقه بعد أن ضخت الحكومات تريليوني يورو لإنقاذ الشركات من الانهيار، نصف هذا حدث في ألمانيا.
* العملة الموحدة: في الوقت الذي تحاول فيه البلدان التخفيف من تأثير عمليات الإغلاق، ترتفع ديونها بشكلٍ حاد. الحكومات في منطقة اليورو تقترض بالعملة المشتركة، لكن يجب أن تمول نفسها بنفسها، لذلك ترتفع الديون إلى مستويات لا يمكن تحملها،
المشكلة أشد في إيطاليا، والتي تعاني أصلا من قبل الوباء، حيث بلغ إجمالي ديونها 2.4 تريليون يورو، أي 135% من إجمالي الناتج المحلي،
رغم ذلك، يوبخ وزير الداخلية السابق وزعيم حزب رابطة الشمال اليميني ماتيو سالفيني الاتحاد الأوروبي لضآلة تدخلة للمساعدة. قد يستغل حزبه تلك الأزمة للوصول إلى السلطة. تتوقع الإيكونوميست أن يعمل على استغلال حالة الغضب والانقسامات مع بروكسل للوصول إلى أهدافه.
* قانون الاتحاد الأوروبي: في وقت قريب، تساءلت المحكمة الدستورية في ألمانيا عما إذا كان ينبغي لمحكمة العدل الأوروبية أن تقرر إمكانية قيام البنك المركزي الأوروبي بدعم اليورو عن طريق شراء الديون. بشكل منفصل اعترضت بولندا على أسبقية محكمة العدل الأوروبية لمحكمتها العليا، فالاتحاد الأوروبي مبني على القوانين المنظمة، فإذا أضعفت ضغوط الوباء محكمة العدل الأوروبية فإن الاتحاد بأكمله سيهتز.
تقول الإيكونوميست إن عملية إصلاح الاتحاد الأوروبي معطلة. منذ بدايته، تطور الاتحاد الأوروبي ونما عبر التعديل المتكرر للمعاهدات التي تحكمه، لكن منذ أن طرح الفرنسيون والبولنديون خطة تعديل الدستور الجديد في 2005، لم يغير الاتحاد المعاهدة مطلقًا. لم يجرؤ أي قائد على إدخال تعديلات مهمة منذ 2007.
هناك مشكلة أخرى قريبة. في الأشهر المقبلة، من المرجح أن يوافق الأعضاء على زيادة في ميزانية الاتحاد الأوروبي لسبع سنوات، لكن هناك نزاع دائر على الشروط. الجنوبيون يطالبون بمبلغ بين 1 و 1.5 تريليون يورو، يريدونها منحًا لا قروضًا. بخلاف اقتراح لإصدار الدين المشترك كبادرة رمزية، لكن الأمر محل خلاف وجدل.
ما سبق من مشكلات يمكن حله بالرؤية والتوافق والإصلاح، لكن سبل الحل تنهار أمام وجهات نظر المختلفة حول الغرض من الاتحاد الأوروبي. فالشمال المزدهر على سبيل المثال يكره فكرة دعم الجنوب المحتاج، وما يكرهه أكثر هو فكرة تبادل أي من ديون الأعضاء الأكثر فقرًا.
كذلك، لا يمكن لأعضاء الاتحاد الأوروبي الاتفاق على ما يجب فعله حيال تآكل الديمقراطية وسيادة القانون في المجر وبولندا. حتى قبل أول حالة وفاة لكورونا، فشلوا في صياغة سياسات مشتركة خاصة بأمور الدفاع وروسيا وقضية الهجرة وغيرها.
ترى الإيكونوميست أن المرونة والطموح شرط أساسي لازدهار الاتحاد الأوروبي، بمعنى عليه أن يتكيف أو يتغلب على المعوقات التي تعيق تغيير معاهداته، بما يحقق صالح الدول الأعضاء، وهو ما يستلزم اعترافًا بأن هناك أعضاء يريدون أشياء مختلفة عما يريده الاتحاد الأوروبي.
تتوقع المجلة أن يستمر تخبط الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، لكنه لن يتفكك كما يتوقع البعض، خاصة وأن حالة بريطانيا أظهرت كيف سيكون الأمر مؤلمًا ومكلفًا في حال أرادت دولة الانفصال، لكن في النهاية يتم الحكم على النظم السياسية عبر نتائجها، فالفشل في إصلاح أو تغيير المعاهدات يضع عبئا على القانون وسيادة القانون.
هل من مصادر أخرى لمزيد من المعرفة؟
فيروس كورونا: هل يفقد الإيطاليون الإيمان بالاتحاد الأوروبي؟ (بي بي سي)
جائحة كورونا تزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبي (الإيكونوميست)
رئيس وزراء إيطاليا يحذر من انهيار الاتحاد الأوروبي قبيل مشاورات مالية حاسمة (بوليتيكو أوروبا)
ماذا كشفت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي؟ ولماذا اختلفت قراءاتها؟ | س/ج في دقائق
متى يعلنون وفاة أوروبا؟ السؤال المطروح على هامش اغتيال قاسم سليماني | الحكاية في دقائق
ليبيا وأخواتها.. هل أظهرت عجز الاتحاد الأوروبي أم قوته؟ وهل يمكن التعويل عليه؟ | س/ج في دقائق