عندما أعلن عبد الله بن الزبير تمرده الأشهر على الدولة الأموية، حقق نجاحًا كبيرًا صار بموجبه الحاكم الشرعي المستحوذ على أغلب مساحة الأمصار الإسلامية، بينما حوصر الأمويون في الشام، كأقلية منعزلة عن الدولة الزبيرية.
في ما عدا الشام، تسابقت ولايات كبرى في الدولة الإسلامية على الدخول تحت طاعة عبد الله بن الزبير، وبينها بلاد الحجاز والعراق.
لكن قائمة من رفضوا الانصياع للحكم الزبيري ضمت زبيريًا آخر: عمرو بن الزبير بن العوام، أخو عبد الله من أبيه الصحابي الشهير الزبير بن العوام.
أم عبد الله كانت أسماء بنت أبي بكر، أما أم عمرو فهي صحابية أخرى؛ أمية بنت خالد بن العاص ولدت من أبوين مهاجرين في الحبشة، وعادت منها إلى المدينة وعاشت جوار الرسول.
تحكي كتب التاريخ أن علاقة الأخوين شهدت "شرًا وتقاطعًا"، حتى أن يزيد بن معاوية حين بحث عن قائد يضمر الكراهية لعبد الله لقيادة الحملة الأموية ضد المدينة، لم يجد أنسب من عمرو!
قاد عمرو جيشًا شاميًا لقتال أخيه وقال للخليفة: "والله لنغزونه ولو في جوف الكعبة".
دخل المدينة وقبض على كل شيعة أخيه ونكل بهم تعذيبًا وقتلًا، وعندما اقترب من مكة قابل جيش عبد الله، فهُزم في المعركة، ثم أُرسل عمرو أسيرًا إلى أخيه.
حاول أخوهما الثالث، عبيدة، أن يتشفع له عند عبد الله فرفض، واصفًا أخيه بـ "عدو الله، المستحلّ لحرمِ الله"، فأمر بجلده وصلبه حتى مات، فألقى جسده في منطقة تُدعى "شعب الخيف" ، وهو ذات الموضع الذي صُلب فيه عبدالله بن الزبير لاحقًا بأمر الحجاج بن يوسف الثقفي.
فجّ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان صدعًا كبيرًا في الدولة الإسلامية.
بعدما قسمت الخلافات الطاحنة صحابة الرسول وحولتهم إلى أعداء متنافسين، يتقاتلون في ما بينهم بالسيوف والرماح، انقسمت القوى الرئيسية الإسلامية إلى معسكرين: الأول بقيادة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، والثاني بقيادة زوج الرسول عائشة بنت أبي بكر وإلى جوارها صحابيان من العشرة المبشرين بالجنة، طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام.
فشلت مفاوضات الصلح، واندلعت المعركة في النهاية، وحرصت عائشة على حضور القتال بنفسها لدعم جيشها معنويًّا، على الرغم من أوامر "القرْن/ المكوث" التي أقرّها القرآن بحقِّ نساء النبي.
في الجانب المعادي لعائشة والمؤيد لعلي، وقف أخوها محمد بن أبي بكر كأحد أبرز قادة جيش علي في معركة الجمل، بعدما لعب دورًا بارزًا في التحريض على قتل الخليفة عثمان.
مثّل التعامل مع عائشة تحديًا كبيرًا لعلي، فهو لا يستطيع أن يقتل زوجة النبي أو يُنكّل بها مهما خرجت عليه، هذه المشكلة تحديدًا حُلّت بانضمام الأخ محمد لمعسكر علي ضد أخته، في خطبة له اعتبر علي محمدًا كـ "أحد أولاده".
شكّل وجود "جمل عائشة" في المعركة نقطة مركزية بالقتال بين الخصمين، وعندما تداعَى جيش عائشة أمام رجال علي التفّوا جميعًا حول الهودج يدافعون عنه بأرواحهم.
أمر علي بعقر الجمل، فبرك على قدميه ومن فوق ظهره سقط هودج عائشة أرضًا، دون أن يجرؤ أحد على التعرض إليها أو حتى لمس الهودج.
هنا أتى دور أخيها محمد بن أبي بكر، الذي حمل الهودج بنفسه مخرجًا أخته من المعركة.
في حضرة علي، قالت عائشة: "من هذا الذي يتعرّض لحرم رسول الله (تقصد نفسها)"، فأجابها محمد أنه أخوها فاطمأنت.
وبطبيعة الحال، لم يمسّ علي عائشة بسوء، وإنما أمر بإعادتها إلى المدينة مُجددًا بصحبة أخيها.
بطلا هذه القصة هما، الخليفة الثاني: عُمر بن الخطاب، والشاعر والفارس القرشي ضرار بن الخطاب.
تبانيت المرويات الإسلامية في تبيان العلاقة بين الرجلين، ما إذا كانا أخوين أم مجرد ابني عم، يلتقيان في نهاية النسب.
اعتُبر ضرار أحد أبرز قادة قريش في حربها على الرسول ودولته، وفي هذا الشأن بذل جهودًا كبيرة، وشارك في معارك فاصلة كبدر وأُحد والخندق.
لعب دورًا كبيرًا في الهزيمة التي مُني بها المسلمون في أُحد، بعدما لاحظ نزول الرماة من على الجبل بعد تراجع القريشيين، فأخبر خالد بن الوليد بذلك، فعادا بقواتهما إلى معسكر المسلمين وهزموهم.
بذل ضرار جهودًا كبيرة في قتْل المسلمين بأُحد، فحسبما ذكر هو نفسه أنه "زوّج 10 من أصحاب محمد بالحور العين"، أي قتلهم وأرسلهم إلى الجنة، كان منهم عمرو بن معاذ، أخو الصحابي الشهير سعد بن معاذ.
هذا الفارس الذي لا يرحم، حين قابل عُمر بن الخطاب في أرض المعركة لم يطاوعه رمحه، فراح يلكزه بخشبته ليبتعد عنه قائلاً "انج يا ابن الخطاب، لا أقتلك".
تأخر إسلام ضرار، ولم يدخل الإسلام إلا عند فتح مكة.
1- كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر – ص 9
2- موسوعة تاريخ العرب: تاريخ، ممالك، دول، حضارة، ص 708.
3- كتابة الإصابة في تمييز الصحابة، ص 270