التبرع بالأعضاء | كيف حرمه الشعراوي و مصطفى محمود رغم إباحة الأزهر؟ | هاني عمارة

التبرع بالأعضاء | كيف حرمه الشعراوي و مصطفى محمود رغم إباحة الأزهر؟ | هاني عمارة

3 Oct 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

القاعدة الفقهية تقول إن الأصل في الأشياء الإباحة. لكن تطور فتاوى فقهاء المسلمين في القرون المتأخرة في التعاطي مع المستحدثات سار بالعكس؛ يبدأ بالتشكيك والتحريم، قبل أن يتحول لأمر واقع، فتصدر الفتاوى بإباحته، حتى تحولت القاعدة عمليًا إلى: الأصل في الأشياء الجديدة التحريم حتى تشتد الحاجة إليها فتصبح مباحة.

المشكلة الأكبر أن القاعدة تجاوزت رجال الدين أنفسهم، وتحولت لنمط تفكير جميعي يسبق فيه عامة الناس المؤسسات الدينية في التحريم. وهو ما ظهر جليًا في مسألة التبرع بالأعضاء من المتوفى.

سبق المؤسسة الدينية الرسمية

1- في 1979، صدرت فتوى مطولة من دار الإفتاء المصرية، بتوقيع المفتي وقتها وشيخ الأزهر لاحقًا، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، حول التبرع بالأعضاء ونقلها من جسد إلى جسد.

في فتواه (طالع نصها) أجاز المفتي التبرع بالأعضاء من الميت إلى الحي إذا أوصى المتوفى بذلك قبل وفاته، شريطة ألا يكون بأجر.

فتوى التبرع بالأعضاء - المفتي جاد الحق علي جاد الحق

فتوى التبرع بالأعضاء – المفتي جاد الحق علي جاد الحق

والملفت في فتوى إجازة التبرع بالأعضاء أمران: 

الأول: زمانها المبكر قبل احتدام الجدل في التسعينيات.

الثاني: أن الشيخ جاد الحق كان محسوبًا على المدرسة التقليدية المتشددة في الإفتاء، مقارنة بعدد من شيوخ الأزهر السابقين له، حيث عرف عنه تقيده بالأصول التقليدية للفتوى والالتزام بالمذاهب، وعدم الخروج على الإجماع. وهذا يتضح من تأصيله للفتوى.

2- لاحقًا، أكد شيخ الأزهر التالي محمد سيد طنطاوي الفتوى بنفس الرأي.

وإمعانًا في تأكيد جواز التبرع بالأعضاء من المتوفى، وتقديمًا لبرهان عملي،  أوصى بالتبرع بأعضائه بعد وفاته.

الشيخ محمد سيد طنطاوي يوصي بالتبرع بأعضائه

الشيخ محمد سيد طنطاوي يوصي بالتبرع بأعضائه

كذلك، أصدر مجمع الفقه الإسلامي، وهو كيان رسمي يتبع منظمة التعاون الإسلامي، في 1988 بيانًا أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى (طالع النص). 

حكم التبرع بالأعضاء - مجمع الفقه الإسلامي

حكم التبرع بالأعضاء – مجمع الفقه الإسلامي

وفي 2009، أصدر مجمع البحوث التابع للأزهر بيانًا أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى، وهو البيان الذي صدر بموجبه قانون جواز التبرع بالأعضاء عام 2010، وإن بقي بعيدًا عن التفعيل بما يكفي حتى اللحظة؛ بسبب استمرار الجدل الديني من ناحية، وتشكك الناس في الموضوع من الأخرى.

أن تكون ملكيًا أكثر من الملك

عادة ما تكون المؤسسة الدينية الرسمية هي العقبة أمام صدور القوانين، مثلما شاهدنا سابقًا في قضايا الختان والخلع، ومؤخرًا في قضية الطلاق الشفوي.

لكن في مسألة التبرع بالأعضاء كان الأمر معكوسًا؛ فالمؤسسة الرسمية أجازتها مبكرًا. لكن سلطة الدين الشعبي + العلم الشعبي الناتج عن الصحوة الإسلامية كانا عنصري التعطيل الأساسيين.

1 – الشيخ الشعراوي 

عارض الشيخ محمد متولي الشعراوي إباحة التبرع بالأعضاء بشدة. وكانت لفتواه الأثر السلبي في تنفير الناس والمسؤولين من الفكرة، وعدم الاكتراث برأي المؤسسة الدينية صاحبة الصفة الرسمية للفتوى، في حين لم يكن للشعراوي أية صفة رسمية.

الملاحظ في فتوى الشعراوي أنها كانت قائمة على منطلقات عاطفية دون تأصيل أو استقصاء نصوص وأدلة وأقوال مذاهب، عكس ما فعل الشيخ جاد الحق.

الفتوى قامت كليًا على أن جسد الإنسان ليس ملكه، بالتالي فإن التبرع بالأعضاء تحدٍ لإرادة الله مالك جسد المتوفى.

الملفت هنا أن فتوى جاد الحق – التي سبقت فتوى الشعراوي – ناقشت تلك المسألة. ليبدو أن الشعراوي لم يطلع عليها أصلًا.

وفي فتواه، رد جاد الحق على مسألة ملكية الجسد بأن الجهاد بالنفس تعريض لها بالقتل، وأن الإسلام أوجب إنقاذ الغرقى والحرقى والهدمى، مع ما قد يترتب على ذلك من هلاك المجاهد أو المنقذ.

وفي مسألة امتهان كرامة الميت بعد موته، أجاب جاد الحق بأن الأمر يخضع للضرورة؛ حيث مصلحة حياة انسان مقدمة على الحفاظ على جسد ميت، ناقلًا من أقوال المذاهب أمثلة حول إجازة شق بطن الحامل الميتة لاستخراج الجنين، أو استخراج ما ابتلعه المتوفى قبل موته، وجواز جبر العظم واستبدال السن من الميت.

2 – مصطفى محمود

الضلع الآخر في مسألة التبرع بالأعضاء كان الطبيب مصطفى محمود، الذي مثل سلطة العلم الشعبي ذي المسحة الدينية الوعظية.

تناول مصطفى محمود قضية زرع الأعضاء في حلقتين شهيرتين من برنامجه العلم والإيمان، إحداهما عن زراعة القلب والأخرى عن زراعة المخ.

وبدلًا من أن يحتفي بالأمر كطبيب، ويبشر به كأمل جديد للمرضى وفتح جديد للعلم، عرضه بشكل سلبي متشكك كتحدي الإنسان للخالق، وعدم جدواه عمليًا مع احتمال رفض الجسم للعضو المزروع، وأن الإنسان ليس مجرد آلة وقطع غيار، وأن غايته أن يمد في عمره فترة قصيرة في حال نجاح العملية.

الأسوأ أن مصطفى محمود عبر في الحلقتين عن مخاوفه من تحول زراعة الأعضاء إلى تجارة ومافيا بموجبها يجري خطف وقتل الناس لبيع أعضائهم وهي الصورة التي سيطرت على عقول الناس لفترة طويلة،

بموجبها انتشرت شائعات خطف الأطفال لنزع أعضائهم، وسرقة الأعضاء في المستشفيات في العمليات الجراحية. وهو ما سيترجم في أعمال فنية تزيد حالة الجدل لاحقًا.

تعطيل علمي إضافي: من هو الميت؟

حين صدرت الفتاوى الرسمية بجوار التبرع بالأعضاء من المتوفى، كان توصيف الموت فقهيًا هو توقف القلب والنفس وسكون وارتخاء الأعضاء.

لكن تعارض التعريف الفقهي مع “الموت الإكلينيكي” زاد الجدل، بما عطل صدور القانون 10 سنوات إضافية، حتى حسمه مجمع البحوث الإسلامية في 2009، حين قرر أن الشخص يعتبر ميتًا بإحدى العلامتين: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة فيه، أو إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًا وحكم الأطباء أن هذا التعطل لا رجعة فيه.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك