No Time to Die | كل الوقت لبوند دانيال كريج | حاتم منصور

No Time to Die | كل الوقت لبوند دانيال كريج | حاتم منصور

1 Oct 2021
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لا وقت للموت No Time to Die هو عنوان آخر فصل للنجم دانيال كريج في دور جيمس بوند. لكن بالتأكيد يوجد وقت لتذكر أول فصول حكايته مع السلسلة.

من 2004 حتى أكتوبر 2005:

بعض المواقع الفنية تؤكد استمرار المفاوضات بين منتجي سلسلة بوند، والنجم بيريس بروسنان الذي سيعود للدور لمرة أخيرة، في فيلم بعنوان كازينو رويال. بينما تؤكد نسبة أكبر، وجود مفاوضات سرية في المراحل النهائية، مع النجمين هيو جكمان وأوين ويلسون، لتولي المهمة خلفًا له.

14 أكتوبر 2005:

فجأة، وخلافًا لكل المسارات، جاء خبر اختيار دانيال كريج للدور. الممثل الذي يعرف البعض ملامحه بالكاد، بفضل أدوار مساعدة في أفلام كان أشهرها وقتها Road to Perdition أمام النجم توم هانكس.

دانيال كريج – Casino Royale

أصغر جسمًا من بروسنان- أقل وسامة – بتاريخ سينمائي متواضع ومناقض لشخصية بوند. كل المؤشرات لم تكن في صف كريج، ونال سخرية واستهزاءً لا مثيل لهما على الإنترنت، باعتباره اختيارًا غير موفق بالمرة.

نوفمبر 2006:

بدء عرض فيلم كازينو رويال بنجاح تجاري يفوق أفلام بروسنان، وإشادة نقدية وجماهيرية بأداء كريج للدور، وحتى اليوم وبعد 3 أفلام اضافية، لا يزال كريج موضع احترام من الكبار جمهور السلسلة القديمة، وسببًا في تعلق آجيال جديدة بالعميل رقم 007 ومغامراته، وضمن الاختيارات التمثيلية التي رفضها الجمهور ثم أثبتت صحتها.

أفلام دانيال كريج السابقة

سبتمبر 2021:

بدء عرض لا وقت للموت.. فيلم دانيال كريج الخامس والأخير في دور بوند، بعد تأجيلات متتالية لما يقرب من عامين، بسبب أزمة كورونا.

والسؤال الذي يدور حتمًا بأذهان ملايين: هل سيودع دانيال كريج السلسلة بفيلم عظيم بعد 15 سنة على ظهوره الأول فيها، أم سيخرج منها غير مأسوف عليه بفيلم متواضع؟

إعلان No Time to Die

أحداثنا تبدأ من حيث انتهى الفيلم السابق (سبكتر). وبالمناسبة سيصعب متابعتها لمن لم يشاهده؛ لأن الكثير والكثير من الخطوط الدرامية متوارثة منه، وبالأخص علاقة بوند بمادلين سوان (ليا سيدو).

سيدو ممثلة موهوبة إجمالًا. لكن لا توجد كيمياء تُذكر بينها وبين كريج، في دور يتطلب هذه النقطة بشدة، وهي مشكلة سيعاني منها فيلمنا هنا أكثر من سبكتر؛ لأنه يمنح الشخصية ثقلًا أكبر وأكبر دراميًا.

ليا سيدو – No Time to Die

في الحقيقة، يرث No Time to Die – لا وقت للموت حمولة أضخم وأضخم من أفلام كريج السابقة كلها، ويحاول أن يُكرم شخصيات عديدة، وأن يغلق كل الملفات المفتوحة لعلاقات بوند مع الآخرين، وبقدر ما يضمن له هذا النهج استدعاء بعض الذكريات الجيدة من وقت لآخر، ومزايا أخرى سنتحدث عنها، بقدر ما تصبح هذه الحمولة عبئًا في أوقات أخرى.

على صعيد الشخصيات الجديدة، فبداية الفيلم موفقة جدًا بخصوص الشرير (رامي مالك) وتمنحه هيبة بصرية وصوتية وحركية، أقرب لأفلام الرعب منها لأفلام الأكشن، وهو ما لم يتواصل للأسف بسبب السيناريو، الذي ينسى في نصفه الثاني تبرير الكثير من تصرفات وقرارات الشخصية.

رامي مالك يعزف منفردًا في Bohemian Rhapsody

أداء رامي مالك ذكي، ويحمل بصمة من أفلام بوند القديمة، حيث الشرير المشوه على المستوى الشكلي والنفسي، وعندما يصل الفيلم أخيرًا لمحطة مواجهته مع بوند، يجنح السيناريو لمسار درامي ونفسي أكثر منه أكشن، وهي فكرة واعدة نظريًا، بالنظر للمستوى المهاري للممثلين في الدورين، لكن للأسف لم تُبلور بالشكل المطلوب، وضاعت وسط زحام الأحداث والصراعات قبلها وبعدها، في فيلم تزيد مدته عن 160 دقيقة (الأطول في تاريخ السلسلة).

على ذكر السيناريو والشخصيات الجديدة، يحتوي الفيلم على خطيئة بسبب الأجندات النسوية، يقوم بدورها الممثلة لوشانا لونش، وشارك في صياغتها المؤلفة فيبي والر بريدج، التي استدعيت خصيصًا لتعديل السيناريو الذي كتبه آخرون، ووضع بصمة فيمنستية عليه، طبقًا لبعض المصادر.

لوشانا لونش – No Time to Die

الشخصية المذكورة هي باختصار (النسخة النسائية من بوند)، القادمة لوعظنا أنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، وأن هذا فكر رجعي.. إلخ. وبالطبع يسهل تخيل دوافع وأجندات مماثلة، في اختيار ممثلة من أصول أفريقية للدور.

ولأنها شخصية مولودة بدوافع غير فنية، وكل ما يبدأ بنزعة أيدلوجية وأجندات، ينتهي دومًا كنقيض لـ أ – ب سينما (التسلية)، لا عجب أنها انتهت كالشخصية الأكثر مللًا في الفيلم، وهي المشكلة التي تزداد؛ لأن لوشانا لونش كممثلة تفتقد للسحر والكاريزما المطلوبة للدور.

كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور

تتضاعف سخافة الشخصية المذكورة، مع ظهور النجمة الكوبية الأصل آنا دي أرماس، التي تضيف الكثير من الحيوية والسحر لدورها، وتذكرنا أن السينما خاصة في حالة سلسلة مثل بوند، لا تستحق الخضوع لأحكام وتعقيدات وضوابط الأجندات النسوية.

أرماس تملك أيضًا كيمياء أكبر مع كريج مقارنة بكل ممثلات الفيلم، وهو ما تحقق سابقًا في فيلم آخر خارج السلسلة، ومن المؤسف أن الأحداث لا تمنحها مساحة زمنية أكبر.

آنا دي أرماس – No Time to Die

على صعيد الأكشن والمستوى البصري، قام المخرج كاري فوكوناجا بمهمته على أكمل وجه، ليصبح الفيلم عامرا بكل ما لذ وطاب من عالم بوند. ومن الهام أن نذكر أنه أضاف سابقًًا كمخرج طابع سينمائي لاهث لمسلسلات مثل True Detective – Maniac.

مشاهد وسط مناطق طبيعية وشوارع في عدة دول، مطاردات سيارات، مواجهات بالسلاح الآلي، معارك يدوية، سفن، طائرات، تفجيرات.. إلخ.

أفلام تحدت الزمن | كيف أصبح “المهمة: مستحيلة” من علامات أفلام الأكشن؟ | حاتم منصور

ما يميز الأكشن في No Time to Die عن الكثير من أفلام هوليوود المعاصرة، أنه يجنح أكثر للمدرسة القديمة، حيث المخاطرات والدوبليرات والتصوير في مناطق طبيعية، أكثر من الجرافيك. وتزداد طباع الفيلم الكلاسيكية بصريًا، بفضل تصوير الفيلم بأكمله على خام نيجاتيف، بدلًا من المدرسة الحديثة (الكاميرات الديجيتال).

فوكوناجا في الأكشن لا يسقط كضحية لمدرسة المبالغات البصرية، التي تتعدى حدود الفيزياء والمنطق، وهي المدرسة التي دمرت مثلًا الإثارة في سلسلة فاست آند فيريوس، وجعلت الأكشن في أفلامها الأخيرة كارتونيًا ومملًا.

النقطة الأهم بخصوص فوكوناجا هي طريقة توظيف الأكشن دراميًا. وفي هذه الجزئية قد يكون مشهد إطلاق الرصاص على سيارة بوند المُصفحة، المستخدم في الإعلان، أفضل مثال للشرح.

في إعلان No Time to Die هو مجرد مشهد نمطي مكرر، شاهدناه عدة مرات في أفلام بوند السابقة. لكن في الفيلم ستصبح لكل طلقة وثانية فداحتها وتأثيرها الدرامي، لأننا نتابع داخل السيارة صراعًا نفسيًا أصعب مما يحدث خارجها، وبوند محطم ومختلف، لا يعلم يقينًا هل يريد فعلًا الخروج من هذه الورطة، أم الموت.

هذا الترابط الذي يتواصل في مشاهد أخرى عديدة، بين ما يفعله بوند بدنيًا في مشاهد الأكشن، وبين صراعاته النفسية وقراراته الصعبة، من أهم مزايا فيلم لا وقت للموت.. والجزئية التي ربما لا يتفوق عليه فيها وسط أفلام كريج السابقة إلا فيلم كازينو رويال.

في نفس المشهد السابق، تكمن أيضًا نقطة براعة فوكوناجا كمخرج وسيناريست، يخوض أول جولاته في سلسلة بوند؛ طوال الفيلم يقتبس شيئًا ما نعرفه جيدًا من السلسلة، ثم يصيغه بطريقة تحمل بصمة وإضافة ما.

The Matrix | صحوة الماتريكس.. هل نحتاج فعلًا لجزء رابع؟ | حاتم منصور

اللمسة المنعشة الأهم في السرد، كانت الاستفادة دراميًا من أداء دانيال كريج الدور على مدار 15 سنة متواصلة، وهو رقم لم يحققه أي بوند سابق.

للمرة الأولى هنا، بفضل حبكة تجعل بوند وزملائه من الحرس القديم في عصر مختلف، نشاهد فيلمًا يقر ويعترف بتأثير الزمن على روح بوند، ويجعله أقرب لنا كمتفرجين، نُشاهد اليوم فيلم 2021 بسن ووعي مختلف، عما كنا أثناء مشاهدة كازينو رويال عام 2006.

دانيال كريج – No Time to Die

وللمزيد من الدراما غير المتعمدة والإحساس بالزمن، أجبرتنا أزمة كورونا على انتظار الفيلم أكثر وأكثر، وكأن القدر يريد أيضًا الاسهام في التمهيد، لحفلة تكريم غير معتادة، في تاريخ سلسلة بوند.

هنا في أخر محطات كريج، يصل No Time to Die كوداع سينمائي شيق يليق بهذه الرحلة النبيلة والمرهقة، ويصبح بوند نفسه خاضعًا لوداع نجم أضاف الكثير والكثير للشخصية، لدرجة تجعله الأكثر تأثيرًا مع شون كونري، الذي وضع حجر الأساس في الستينيات، وجعل للشخصية هوية ومواصفات مختلفة، عن الموجود في روايات مبتكرها أيان فليمنج.

شون كونري.. لا تقل أبدًا مجرد بوند.. جيمس بوند | حاتم منصور

السؤال الذي جال بخاطري قبل ظهور تترات نهاية No Time to Die هو: كيف ستستمر سلسلة بوند مع ممثل آخر بعد كريج؟ وإلى أي مدى ستصبح عملية إعادة الميلاد هذه المرة أصعب وأصعب؟

لكن مع ظهور التترات، بدأت أغنية لدينا كل الوقت في العالم وهي أغنية لطيفة يعرفها جيدًا عشاق السلسلة من أمثال كاتب هذه السطور، لأنها تخص فيلمًا لبوند بعنوان في خدمة صاحبة الجلالة يعود إنتاجه لعام 1969.

الأغنية أنسب لفيلمنا هنا أكثر مما هى مناسبة لفيلمها الأصلي، والأهم أنها محت لدي أي شكوك بخصوص الاستمرارية. السلسلة التي تستطيع إعادة ضخ الحياة، لأغنية عمرها أكثر من 50 سنة، تستطيع بالتأكيد الصمود والإستمرار مهما كانت التحديات.

وقت دانيال كريج مع بوند انتهى. لكن أمامه الوقت لسلسلة أخرى، وأمام بوند كل الوقت في العالم، وأمامنا غالبًا أوقات ممتعة مع 007 آخر، يُفضل مشروب المارتيني مخفوقًا، وليس مخلوطًا.

باختصار:

رغم قائمة عيوب وسلبيات يصعب إنكارها، وتكدس في الأحداث والشخصيات، يودع دانيال كريج دور بوند في No Time to Die بحفلة سينمائية تستحق الحضور، وبفيلم يحقق المعادلة الصعبة؛ يحافظ على ثوابت السلسلة، ويمنحنا أيضا لمسات جديدة منعشة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك