تعويذة جبل عيبال | هل هي حقًا دليل على خروج اليهود من مصر وطبيعة الإله اليهودي؟ | مصطفى ماهر

تعويذة جبل عيبال | هل هي حقًا دليل على خروج اليهود من مصر وطبيعة الإله اليهودي؟ | مصطفى ماهر

5 Apr 2022
إسرائيل الدين
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عالم الآثار الأمريكي “سكوت ستريبلنج Scott Stripling” يعلن في مؤتمر رعته منظمة دراسات الكتاب المقدس Associates for Biblical Research، عن اكتشاف أثري مذهل يفترض، إن صح، أن يعيد المصداقية  لقصة خروج بني إسرائيل في التوراة. 

 الاكتشاف يدور حول “تعويذة أو لعنة” مكتوبة على لوح من الرصاص، عُثر عليها في مخلفات “جبل عيبال”. (يطل على مدينة نابلس)

أرجع سكوت عمر الاكتشاف إلى ما بين القرن 14-12 قبل الميلاد. الأهم في الاكتشاف أن الكتابة في القطعة بعد الفحص تشبه الكتابة العبرية، فيما يعرف أكاديميًا “بالخط العبري المبكر Proto-Hebrew”.

تميمة اللعنة المصنوعة من الرصاص، تعود لحوالي 3000 عام مضت

تميمة اللعنة المصنوعة من الرصاص، تعود لحوالي 3000 عام مضت

يتألف النص من 40 حرفًا من حروف الكتابة الكنعانية البدائية، والتي لا يمكن قراءتها إلا عن طريق عمليات المسح الضوئي للنقش.

ميز سكوت وفريقه عددًا من الكلمات التي اكسبت الاكتشاف أهمية أكبر: 

ملعون / ملعون / ملعون من قبل يهوه YHW” 

سكوت علق أن الفريق استطاع تمييز كلمة “ARUR” – النطق العبري لكلمة لعنة – عشر مرات في النقش، وكلمة “YHW” – النطق العبري لاسم الإله اليهودي – مرتين. 

لكن ما علاقة نقش عبري قديم سُجل فيه اسم الإله اليهودي بمصداقية قصة الخروج؟
ولماذا أثار ذلك الاكتشاف جدلًا كبيرًا في الأوساط العلمية والدينية المختصة بتاريخ اليهودية والكتاب المقدس؟ 

عيبال: جبل اللعنات في التوراة 

ها أنا أتلو علَيكُمُ اليومَ بَرَكةً ولعنَةً .. فإذا أدخَلَكُمُ الرّبُّ إلهُكُمُ الأرضَ الّتي أنتُم قادمونَ لِتمتَلِكوها، فا‏تْلوا البرَكةَ على جبَلِ جِرِزِّيمَ واللَّعنَةَ على جبَلِ عيـبالَ‌” (سفر التثنية 26 ، 29) الكتاب المقدس 

تحكي التوراة في الأسفار الخاصة بقصة خروج بني إسرائيل من مصر ونزولهم للأراضي الكنعانية، أنه بعد وفاة النبي موسى، تولى خليفته “يوشع بن نون” قيادة القبائل الإسرائيلية في حربها لغزو القرى الكنعانية.

أثناء الغزو، أمر الإله يهوه ست قبائل من إسرائيل بالتوجه إلى جبل عيبال (بالقرب من نابلس في الضفة الغربية) لتشييد مذبح حجري، وتجهيزه لإلقاء عدد من اللعنات. وقد نفذ اليهود وفقًا للقصة التوراتية الأمر الإلهي بعد غزو بلدة عاي وتدميرها حيث لم يبق منها إلا الماشية! 

جبل عيبال المذكور في القصة التوراتية / مكان الاكتشاف

جبل عيبال المذكور في القصة التوراتية / مكان الاكتشاف

بالنسبة للفريق الأثري بقيادة سكوت، يتطابق اكتشاف تميمة اللعنة مع القصة التوراتية؛ فمكان الإكتشاف (جبل عيبال) يتفق مع رواية التوراة عن إقامة طقوس اللعن بأمر من الإله اليهودي يهوه، وهو الاسم المذكور في التميمة. 

بالتالي، فإن الاكتشاف – وفقًا للفريق – يغير عددًا من الحقائق المعروفة في الأوساط العلمية عن أقدم دليل أثري للإله اليهودي، حيث عُثر في صحراء النقب على نقش مصحوب برسم للإله اليهودي يهوه، ويعود ذلك النقش إلى حدود القرن الثامن قبل الميلاد. 

نقوش ورسومات يهوه الأقدم في حدود القرن الثامن قبل الميلاد

نقوش ورسومات يهوه الأقدم في حدود القرن الثامن قبل الميلاد

يضيف سكوت أن الاكتشاف يوضح وجود نظام للكتابة العبرية في حدود العام 1200 ق.م، على عكس المعروف من أن المجتمع اليهودي ظل جاهلًا بالكتابة حتى حدود القرن 8 ق.م، مما يفتح بالنسبة له باب التساؤل عن وجود نصوص إسرائيلية قديمة مشابهة لنصوص التوراة. 

أي أن المجتمع اليهودي قد عرف الكتابة في فترة تاريخية قريبة من حدث الخروج المفترض. 

السؤال الآن: هل تتفق استنتاجات المؤتمر الصحفي الذي عقده سكوت مع حقيقة الاكتشاف؟
وما رد فعل خبراء الآثار والتاريخ اليهودي حول الحدث؟ 

تعليقات عالم الآثار اليهودي إسرائيل فنكلشتاين 

قبل أن نعرض لتعليق إسرائيل فنكلشتاين، وهو واحد من أهم علماء الآثار في التاريخ اليهودي، لابد من توضيح ملحوظتين مهمتين:

1- بالعودة إلى تاريخ الأثر المعلن حديثًا، نجد أن التنقيب في الأساس يعود لبداية الثمانينيات، ثم نقلت التنقيبات وتركت لسنين طويلة، حتى تعرضت بعض التنقيبات المهملة لعملية غربلة في ديسمبر 2019، نتج عنها الكشف .

2- المؤتمر الصحفي عن جبل عيبال لم يكن تحت إشراف أكاديمي أو علمي (جامعة أو مؤسسة علمية) بل أشرفت عليه مؤسسة معروفة بانحيازها الديني في أبحاث الكتاب المقدس (منظمة ABR).

لذلك، بدأ فنكلشتاين تعليقه على الحدث بالقول أنه لا يمكن أن يأخذ نتائج المؤتمر بجدية قبل أن يرى مقالًا علميًا منشورًا في دورية علمية موثوقة.

وبشكل عام، ذكر عددًا من الملاحظات بخصوص الاكتشاف.

منشور فنكلشتاين بخصوص مؤتمر جبل عيبال

منشور فنكلشتاين بخصوص مؤتمر جبل عيبال

أولًا: ظروف الاكتشاف نفسه ليست “مثالية”؛ لأننا نتعامل في حالة التميمة المكتشفة مع أكوام من الحطام والبقايا التي تعود للثمانينات، كما أنها تعرضت للنقل والغربلة في السنوات الأخيرة فقط. 

ثانيًا: أشار فنكلشتاين أننا بحاجة لصور واضحة للنص. وما جاء في المؤتمر هي رسومات تخمينية، كما أنه يشك في تصريحات الفريق بأن النقش “عبري” فمن الصعب وجود كتابة عبرية في ذلك الوقت المكبر. ويضيف : “الأدق أنهم قصدوا كتابة كنعانية قديمة”، والواضح في النص أنها كلمات تظهر في لغات سامية أخرى. 

وختم فنكلشتاين تعليقه بأنه: 

منزعج من تلك التصريحات بخصوص الاكتشاف التي تتجاهل كل ما نعرفه عن تاريخ التوراة وإسرائيل، وتريد أن تستبدله بضربة واحدة، فما نعرفه يمكن مقارنته بهرم قائم على قاعدته، وليس على طرفه وجاهز للانهيار“. 

انتهى الاقتباس من فنكلشتاين.

من ناحية أخرى، فإن “الاكتشاف” قد يكون دليلا على وجود “طقوس اللعن” الواردة في الكتاب المقدس. أما الإشكال في خروج اليهود من مصر فمتعلق بتفاصيل أخرى، لم تثبت في أي بحث أثري حتى الآن، رغم تعدد الرحلات البحثية التي خصصت لهذا الغرض.

المصادر:

1- العثور على نقش لعنة إسرائيلية مبكرة على جبل عيبال (هاآرتس)

2- “لوحة اللعنة” القديمة قد تظهر أقدم اسم عبري لله (لايف ساينس)


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك