هل فكرت يومًا: لماذا يميل مشجعو كرة القدم إلى مضاعفة الإخلاص لناديهم حين يخسر؟ فكر في مشجع النادي الجماهيري الشهير الأقل حصدًا للبطولات في بلدك.
غالبًا ما يصبح مشجعو كرة القدم مرتبطين بناديهم ومشجعيه بشكل أوثق. يظهرون استعدادًا لدعم المجموعة مدى الحياة، مع فخر لا يلين حتى في مواجهة الخسائر.
في علم النفس، تسمى تلك الحالة بـ “اندماج الهوية، حيث يشجع المشجع بحالة شديدة من الانتماء لناديه ولغيره من مشجعي فريقه بالدرجة التي يشعرون فيها جميعًا أنهم باتوا كيانًا واحدًا.
المفاجأة أن مفهوم اندماج الهوية كنظرية نفسية مهمة على مدى العقدين الماضيين، تطورت في الأصل مدفوعة بهجمات 11 سبتمبر وتفجيرات مدريد!
أولئك هم الرابحون .. كيف يتفاعل الاقتصاد ونفسية المجتمع | خالد البري | رواية صحفية في دقائق
في علم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا المعرفية، يعتمد بناء الذات على التمييز بين الذات الشخصية (الخصائص التي تجعل شخصًا ما فريدًا) والذات الاجتماعية (الخصائص التي تربط الشخص بمجموعات مختلفة، مثل القوميات أو الاهتمامات المشتركة أو الدوافع).
وكما يوحي الاسم، ينطوي اندماج الهوية على اتحاد الذات الشخصية والاجتماعية ليختبر الفرد إحساسًا عميقًا بالوحدة مع المجموعة.
عندما يحدث اندماج الهوية تظل كل من الذات الشخصية والاجتماعية بارزة ومؤثرة. لكن الحدود بينهما تصبح قابلة للاختراق بدرجة كبيرة.
بالإضافة، تقترح النظرية أن الأشخاص المندمجين ينظرون إلى بقية أعضاء المجموعة على أنهم “عائلة” ويطورون روابط علاقات قوية معهم بالإضافة إلى روابط مع الجماعة.. روابط تصل إلى حد الموت أحيانًا.
في دراسة جديدة حول البريميرليج، ظهر أنصار أسوأ الأندية تحقيقًا للنتائج في السنوات العشر الأخيرة أكثر “اندماجًا” مع أنديتهم مقارنة بمشجعي الأندية مضمونة الفوز، حتى أنهم اعتبروا زملاءهم في تشجيع نفس الفريق أشبه بالعائلة، وأبدى بعضهم استعداده لتقديم التضحية القصوى “التضحية بالروح” لإنقاذ شركائهم في التشجيع، حتى لو لم يلتقوهم من قبل!
وبينما اعتبرت العلاقات الاجتماعية بين مشجعي هال سيتي “الأقل نجاحًا تاريخيًا بين أندية الدراسة” قوية للغاية، كانت الروابط في أقل مستوياتها بين مشجعي تشيلسي، الذي كان تاريخيًا أحد أكثر الفرق نجاحًا.
المفاجأة أن ترابط مشجعي مانشستر سيتي سارت بنفس طريق روابط مشجعي الأندية الأقل نجاحًا، مقارنة بجيرانهم مانشستر يونايتد. ربما يعكس ذلك أن تحولهم السيتزنز إلى نادٍ ناجح كان مسارًا جديدًا على الفريق.
تقترح الدراسات النفسية أن التجارب الجماعية المزعجة “مثل الهبوط أو خسارة الدربي” تؤدي إلى تعظيم الترابط مع المشجعين الآخرين.
وتقول إن الأحداث المبهجة “مثل التتويج ببطولة مثلًا” قد ينتج روابط جماعية قوية.. لكن الأحداث المزعجة هي التي تؤثر في الذاكرة لمدى زمني أطول، وهي الأكثر قدرة على ترسيخ الروابط الجماعية.
نظرية التنافر المعرفي تقدم تفسيرًا بديلاً للولاء الاستثنائي لمشجعي الفرق الخاسرة.
كبشر، من المجهد للغاية أن نتصرف بطريقة تتعارض مع قيمة “الحرص على الفوز”.
لهذا: يضطر مشجعو الأندية ذات الأداء الضعيف منذ فترة طويلة لإجابة أنفسهم على سؤال: “لماذا أضع نفسي في هذا الموقف؟” والإجابة الأمثل يمكن أن تكون: “لأنني أحب النادي كثيرًا”. هذه محاولة لتقليل التنافر المتمثل في إنفاق الكثير من الوقت والمال على نادٍ دون الحصول على منفعة مباشرة “الاحتفال بالفوز”. (ممممممم!!!)
مع ذلك، ليحدث التنافر المعرفي، يجب أن يُنظر إلى استعداد المشجع للمعاناة من أجل المجموعة على أنه طوعي.
نظريًا: يمكن للجماهير التوقف عن دعم النادي في أي وقت. لكن عمليًا: تلعب العلاقات القائمة دورًا في منع ذلك عبر تجنيد معظم المشجعين في مجموعات اجتماعية تضم أحد الوالدين أو ابن عم أو صديق أو زميل عمل، بما يمكن أن يخلق شبكات معقدة ودائمة يصعب قطعها.
التحرش والصحوة الإسلامية منافع مشتركة.. “علشان تبقي تقولي لأ! | عمرو عبد الرازق
للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر مُحيرًا. فقد نفهم أن يتماشَى الأشخاص مع المجموعات أو المعتقدات التي تنطوي على تكلفة شخصية بسيطة.
في حالة كرة القدم مثلًا، أقصى ما سيسخره المُشجِّع “استقبال بعض التحفيل بعد كل هزيمة”.
لكن ماذا عندما تكون التكاليف الشخصية باهظة؟ كما في الأعمال الانتحارية الإرهابية مثلًا؟ كيف يفسر العلم استمرار الانتماء لجماعات تُقدم على تلك الأفعال؟
نظرًا لأن الدراسة التجريبية للأفعال المتطرفة الفعلية المؤيدة للمجموعة تثير علامات حمراء ضخمة، ركز الباحثون إلى حد كبير على تأييد الأفعال المتطرفة المؤيدة للمجموعة.
وألقت العديد من الأبحاث الميدانية الإضافية مع الجماعات الإرهابية والمتمردة الضوء على الدور الذي يلعبه اندماج الهوية في السلوكيات المتطرفة المؤيدة للجماعة.
العديد من الدراسات أظهرت أن الاندماج هو مؤشر قوي على الاستعداد للقتال والموت نيابة عن المجموعة.
وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص المندمجين بشدة كانوا على استعداد بشكل خاص لاختيار التضحية بحياتهم وحياة أسرهم – لأسباب بينها الدفاع عن المجموعة أو عن “القيم المقدسة”.
وبينما يميل الأفراد عمومًا إلى فصل أنفسهم عن المجموعة إن فشلت، يميل الأشخاص المندمجون بشدة إلى اختيار “الغرق مع السفينة”.
رحلة “دريا” الألمانية .. من فتاة ليل إلى داعشية | سالي حسام | رواية صحفية في دقائق
تقدم نظرية اندماج الهوية فكرة أن هويتنا الشخصية مسامية، بحيث تحتاج لدمجها مع مجموعة.
وتقترح أن كلًا من الهويات الشخصية والاجتماعية للشخص يمكن أن تكون بارزة ومؤثرة في وقت واحد وفق 4 مبادئ:
عندما يصبح الأفراد المندمجون في الهوية متحالفين بشدة مع مجموعة، يُفترض أنهم يحتفظون بذاتهم الشخصية النشطة والفاعلة، حتى عندما تنشط الذات الاجتماعية.
تماشيًا مع الفكرة، فإن تنشيط الذات الشخصية عن طريق زيادة الاستثارة الفسيولوجية، أو تشجيع الناس على التفكير في كيفية رد فعلهم إذا تعرضوا للتهديد شخصيًا، قد يزيد من تأييد الشخص للتضحيات المتطرفة المؤيدة للجماعة.
حقيقة أن الذات الشخصية والاجتماعية يمكن تنشيطها بشكل مستقل تزيد من احتمال أن تتحد بشكل تآزري لتحفيز السلوك المؤيد للمجموعة.
تماشيًا مع الاحتمال، أظهرت الدراسات أن تنشيط الذات الشخصية أو الذات الاجتماعية يزيد من رغبة الأشخاص المندمجين بقوة في التصرف بطريقة مؤيدة للمجموعة.
على سبيل المثال، لو نشطنا الذات الشخصية باستبعاد الأشخاص طبقا لتفضيلاتهم الشخصية، أو لو نشطنا الذات الاجتماعية فاستبعدنا أشخاصا تبعا لدرجة انتمائهم للجماعة، في كلتا الحالتين تكون النتيجة اكتساب الأفعال المؤيدة للجماعة، والتي تصدر عن أولئك المندمجين فيها بقوة، وليس بوشائج ضعيفة، مزيدا من المصداقية.
بمرور الوقت يحدث اندماج تدريجي بين الفرد والمجموعة، حتى أنه ينبذ أي فردٍ انضمّ إليها فقط لتحقيق منفعة شخصية، وكلما جرت عمليات استبعاد لهذه النوعية من محدودي الانتماء، كلما ازداد إيمان الفرد بمجموعته وتقديسه لكل فردٍ فيها، شاركه الانتماء للجماعة لمجموعة متنوعة من الأسباب.
يفترض نهج الاندماج أن الأشخاص المندمجين بقوة لا يهتمون فقط بعلاقاتهم الجماعية بالمجموعة (ككيان مجرد)، ولكن أيضًا بعلاقاتهم (الحقيقية أو المتخيلة) مع أعضاء آخرين في المجموعة.
وتفترض نظرية انصهار الهوية أن الأفراد المندمجين بقوة يشعرون بروابط شبيهة بأفراد المجموعة الآخرين، حتى أولئك الذين ربما لم يكن لديهم اتصال يذكر أو لم يكن لديهم اتصال على الإطلاق.
وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المندمجين بشدة يتماشون بقوة مع زملائهم أعضاء المجموعة لدرجة أنهم يفضلون أن يموتوا هم أنفسهم بدلًا من زملائهم.
يفترض نهج الاندماج أنه بمجرد تطويره، سيظل الاندماج مستقرًا إلى حد كبير بمرور الوقت. يستمر هذا الاستقرار حتى في المواقف المختلفة.
تقترح نظرية دمج الهوية أن هذا يرجع إلى العواطف القوية والمعتقدات والعلاقات الداخلية التي يمر بها الأفراد المندمجون بقوة.
إبراهيم العيساوي | رحلة منفذ هجوم نيس الإرهابي من إدمان الكحول للقتل باسم الله | الحكاية في دقائق