كل الناطقين بالعربية تقريبًا يعرفون رفعت الجمال. أو لنستخدم اسمه المعروف في الدراما التليفزيونية الشهيرة “رأفت الهجان”. أشهر جواسيس مصر في إسرائيل في أخطر فتراتها التاريخية التي شهدت الحروب المهمة بين الدولتين في 1967 ثم 1973.
لكننا هنا نزعم أنك ستعرفه للمرة الأولى. ستعرف أن الواقع كان أخطر كثيرًا من خيال المؤلف صالح مرسي. رأته زوجته يبكي وهو يعمل على تفاصيل حياة “رفعت الجمال”. سألته: عن السببب. فرد “إنتي فاكرة إنك متجوزة راجل، وإن اللى حوالينا دول رجالة؟”.
نرصد أولًا ارتباك الروايات الإسرائيلية حول الرجل.. ارتباك يرجح مينا منير أن سببه أن الإسرائيليين لم يعرفوا حقيقته إلا بعدما أثاره المسلسل والتحقيقات الصحفية المحلية والعالمية التي تلته عن بطولاته.
لكن ما لم يكشفه مسلسل رأفت الهجان عن حقيقة شخصية رفعت الجمال كان أخطر. الرجل كان صناعة محلية خالصة لجهاز الخدمة السرية المصري الذي أسسه زكريا محيي الدين. وكان – أي الجهاز – أحد أسباب حنق بريطانيا بالدرجة التي دفعتها لمحاولة غزو مصر فيما يعرف بالعدوان الثلاثي 1956. فكيف جندت المخابرات المصرية رفعت الجمال؟ وكيف خدم مصر ضد إسرائيل حتى قبل أن تطأ قدماه تل أبيب؟
الآن نصل مع رفعت الجمال إلى تل أبيب، مع تدفق غير طبيعي من المعلومات، واختراق واسع لفئة النخبة في مجتمع السياسة والجيش الإسرائيليين، وصل إلى مكاتب قادة إسرائيل أنفسهم.
لكن التغييرات التي أدخلها رفعت الجمال لم تتوقف عند هذا الحد. ليس أقلها أن دوره المهم في إسقاط الوحدة 131 في العملية سوزانا الشهيرة بفضيحة لافون كانت دافع إسرائيل لإنشاء الوحدة 188 المسؤولة عن الاغتيالات خارج الحدود حتى اليوم، ولا أكبرها إسقاط الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي اخترق أعلى أجهزة الدولة في سوريا.
الآن: يبقى سؤال أخير: هل كان رفعت الجمال عميلًا مزدوجًا؟ التشكيك وجد أرضية لأنه صدر من شخصيات مصرية كان يفترض أنها قريبة من مراكز صنع القرار حينها. لكن الأدلة تشير إلى العكس: