خلال فترة سقوط حكم الإسلامجية في مصر، وتنامي العمليات الإرهابية داخل البلاد، شكلت السياسة الداخلية لمصر ملامح سياستها الخارجية، ولذلك انضمت مصر إلى تحالف بقيادة السعودية والإمارات، والذي سعى لاحتواء إيران والدول الصديقة للإسلامجية مثل قطر وتركيا.
جلب التحالف دعمًا ماليًا إماراتيًا وسعوديًا كبيرًا لمصر، في وقت كان الاقتصاد المصري على حافة الهاوية، لكن الشراكة كانت مدعومة أيضًا بأيديولوجية مشتركة هدفها الإطاحة بالإسلام السياسي في جميع أنحاء المنطقة.
بعد تحقيق ما أرادته، حلت الأزمة مع قطر بتوقيع اتفاقية العلا، وتعمل حاليًا على بناء أرضية مشتركة للعمل تقوم على الاقتصاد والاستثمارات، والتفاوض على أرضية أمنية لتسليم الإخوان الهاربين.
في 2021، أتاح الصراع بين حماس وإسرائيل في غزة لمصر فرصة لإعادة تمثيل دورها التقليدي كمحاور دولي رئيسي بشأن القضية الفلسطينية، فحازت استحسانًا دوليًا لمساعدتها في تأمين نهاية سريعة نسبيًا للصراع.
ومنذ ذلك الحين، انتهزت مصر الفرصة لتذكير جيرانها، وبقية العالم، بأنها - كجار مباشر لغزة - تظل الشريك الأقوى في الجهود المبذولة لحماية المصالح الأمنية لإسرائيل والتوصل إلى نتيجة أكثر استدامة للفلسطينيين.
تناقش القاهرة وواشنطن والدوحة حاليًا الترتيبات الخاصة بالمساعدة في التنمية في غزة، مثل تمويل إمدادات الغاز المصري إلى القطاع، فضلاً عن المشروعات الاقتصادية في شمال سيناء - بما في ذلك الموانئ وربما المطار.
سعت مصر إلى بناء تحالفات جديدة تستند إلى العلاقات التاريخية من خلال الشراكة مع الأردن والعراق.
في العامين الماضيين، عقد أعضاء هذا التحالف العديد من الاجتماعات الثلاثية - كان آخرها في بغداد، حيث تعهدوا بتنفيذ صفقات البنية التحتية، وتوفير الطاقة لبعضهم البعض، وتعزيز علاقاتهم التجارية.
التحالف سمح لهم بالتقارب من الولايات المتحدة، التي رحبت بالتجمع الجديد، لقدرته على تقليل اعتماد العراق الاقتصادي على إيران.
سعت مصر في الأشهر الـ 12 الماضية للمساعدة في صياغة ترتيب دبلوماسي لإنهاء الأزمة الليبية، فساعدت عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ووفرت فرصة للتقارب مع تركيا وقطر، اللتين دعمتا الميليشيات الليبية الغربية المعارضة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر.
بينما تواصل مصر دعمها لشركائها في شرق ليبيا، لم يعد هذا مرتبطًا بشكل مباشر بحفتر نفسه، بل مرتبطًا بقوات الجيش الوطني الليبي والبرلمان الليبي.
وبينما تمضي القاهرة قدمًا في دعم خارطة الطريق الدبلوماسية الليبية، فإنها تواصل إثارة قضية النشاطات المسلحة الأخرى في البلاد، مستغلة فرص التقارب مع أنقرة والدوحة للمطالبة بسحب المرتزقة.
بدأت القاهرة محادثات حول التقارب مع أنقرة، ورغم تعثرها إلا أنها مستمرة لإزابة الحواجز الكبيرة أمام التطبيع الكامل.
تكشف المناقشات الحالية عن وجود عداء كبير من القاهرة لأنقرة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإسلامية ودعم البلاد المستمر للإخوان.
كما طغت على العلاقة الثنائية بين القاهرة وأنقرة الجهود الكبيرة التي بذلتها مصر - إلى جانب قبرص وإسرائيل واليونان - لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في 2020 بدون تركيا، ومنذ ذلك الحين تحول المنتدى إلى منظمة إقليمية وآلية لدبلوماسية الطاقة، واجتذبت أعضاء مثل إيطاليا وفرنسا.
ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، ضغطت تركيا على وسائل الإعلام التابعة للإخوان إما للتخفيف من حدة خطابها ضد مصر أو التوقف تمامًا عن البث، مع إغلاق بعض المكاتب الرسمية للإخوان في البلاد، مما يشير إلى انفراجة في العلاقات بين البلدين.
من الأمور التي تثير قلق القاهرة بشكل خاص بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل - والذي يمكن أن يقلل بشكل كبير من مستويات المياه في مصر ويضع سابقة مدمرة للتنمية المستقبلية على طول النهر.
في 2011، كانت الاضطرابات المصرية حاجزًا أمام قدرة القاهرة على التفاوض مع إثيوبيا، وفي 2015 وقعت مصر وثيقة إعلان المبادئ، لتغير القاهرة موقفها من الرفض الصريح لسد النهضة إلى موقف التفاوض، لكنها منذ ذلك الحين ظلت على موقفها برفض التنازل عن أي نقطة حقوقها المائية.
منذ انهيار المحادثات في واشنطن في أوائل 2020، واصلت إثيوبيا رفض التفاوض على اتفاقية لإدارة المياه، فبنت مصر تحالفات وشراكات استراتيجية لعزل إثيوبيا.
لكن الدول في القرن الأفريقي لم تكن قادرة على تغيير ميزان القوى والتوصل إلى اتفاق سياسي تفاوضي حول استخدام مياه النيل، لذلك لجأت مصر إلى الدول الخليجية التي لها دور في منطقة القرن الإفريقي لتحقيق أهدافها في المنطقة، ومن بينها قطر.
سعى الرئيس المصري منذ فترة طويلة لدور لبلاده في التطورات الدبلوماسية المحيطة بالحرب السورية. مصر لم تؤمن مثل هذا الدور في مؤتمرات جنيف في منتصف العقد الماضي، لكنها تسعى الآن للحصول على دور "الزعيم" في عملية أستانا، التي تتألف من تركيا وإيران، وروسيا.
على الرغم من أنها لا تملك القوة الاستثمارية التي يملكها جيران آخرون، إلا أن مصر لا تزال ترغب في وضع نفسها على رأس المجموعة في تأسيس موطئ قدم في أجندة إعادة الإعمار في سوريا
استضافت القاهرة بانتظام اجتماعات هادئة مع مسؤولي المخابرات السورية في القاهرة طوال الصراع السوري ودعمت الجيش والنظام السوري في مواجهة الجماعات المتطرفة.
ومن خلال ترسيخ بلاده كشريك في سوريا، يأمل السيسي في التفاوض بشأن دعم العملية الدبلوماسية بين طهران ودول الخليج، ولهذه الغاية، استضافت مصر مؤخرًا مسؤولين أمنيين إيرانيين.
بعد النقص الحاد في الكهرباء في 2013، سعت مصر إلى تعزيز قطاع الطاقة لديها.
اكتشاف البلاد لاحتياطيات ضخمة من الغاز البحري في 2015، إلى جانب صفقات لاستيراد غاز إسرائيل لتسييله، جعل مصر منذ ذلك الحين مركزًا للطاقة في المنطقة.
في الآونة الأخيرة، حولت الحكومة اهتمامها إلى تطوير قطاع الطاقة الشمسية من خلال إصلاحات كبيرة لقطاع الكهرباء وتطوير مزارع الطاقة الشمسية على نطاق واسع.
تتمتع مصر الآن بفائض في الطاقة، وهي ميزة تحاول الاستفادة منها إلى أقصى حد كجزء من سياستها الخارجية، حيث تهدف إلى بيع فائض إنتاجها من الكهرباء لجيرانها الإقليميين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ بالفعل في المساعدة في تمويل مشروعات الطاقة الشمسية الطموحة في مصر.
لسنوات، وجدت الولايات المتحدة وأوروبا أن علاقاتهما مع مصر محبطة، وقد عبرتا بانتظام عن فزعهما من التطورات في البلاد وخصوصًا بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
النظام المصري الحالي أصبح يعتمد على الشرعية الدبلوماسية الممنوحة له من خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك، تعزز مصر علاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا، وتزيد من تعاونها الأمني مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتعيد ضبط العلاقات مع الخليج وتركيا، وتتزايد الثقة في القاهرة أن الولايات المتحدة "تحتاج إلينا أكثر مما نحتاجها".
حرب غزة الأخيرة جعلت لمصر نفوذًا أكبر لدى إدارة جو بايدن، وأوقف بشكل فعال انتقادها من قبل واشنطن، لكن الدعم المالي من واشنطن للقاهرة آخذ في الانخفاض بسبب ادعاء الكونجرس باحتجازها لنشاط حقوق الإنسان، وإن كانت مصر بدأت مؤخرًا الإفراج عنهم وحل المسألة.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإنه غالبًا ما ينهزم في تعاملاته مع قضية حقوق الإنسان في مصر، نتيجة مخاوف الهجرة غير الشرعية والإرهاب ردًا على المحاولات الأوروبية للضغط على مصر في قضايا حساسة.
كما أن مصر دخلت في شراكات عسكرية وأمنية واقتصادية ومشاريع طاقة مع أوروبا، ويمكن لأوروبا أن تعتمد على مصر في معالجة السلوك التركي المتهور تجاه الاتحاد الأوروبي.
طموح ملتهب.. مصر تعود إلى القيادة الإقليمية (المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية)