منذ بدء المفاوضات ونحن نسعى في مصر بكل الطرق الممكنة لإيجاد حل سلمي لأزمة سد النهضة. لكن ورغم استبعاد العمل العسكري تمامًا حاليًا، فإن كل الخيارات متاحة أمام مصر لحماية أمنها القومي.

مصر لم تكن أبدًا دولة معتدية، لا تخوض حربًا إلا لو كانت في سبيل الدفاع عن البلد، وبعد استنفاد جميع السبل السلمية. حينها، سيكون خيار الذهاب إلى الحرب متاحًا أمامنا؛ دفاعًا وليس اعتداء.

إثيوبيا تحدت مصر والسودان لفترات طويلة، فهل هي قادرة على تحدي العالم والرأي العام الدولي؟ الجميع يشاهد الآن كم تتسم بالعناد وعدم المرونة والتراجع عن القرارات. اتفقنا من قبل على تشكيل مكتب استشاري يجري دراساته، عارضوا في البداية، وأصروا على مكتب من اختيارهم وحدث. وحين خرجت التوصيات تراجعت عنها ورفضت تقارير المكتب.

ما يحدث هو تعنت واضح ومماطلة. هل يوجد مفاوضات تستمر لـ 10 سنوات؟ الأغرب أنه كلما توصلنا لاتفاق تراجعوا عنه في آخر دقيقة.

الملف الذي تقدمت به مصر إلى مجلس الأمن الدولي إذن هو جرس إنذار بأن أحداثًا مهددة للأمن والسلم الدوليين تحدث في أفريقيا، بما معناه “انتبهوا جيدًا لهذه النقطة على الخريطة”، ونحن بانتظار النتائج.

الأمور غير واضحة في اللحظة الحالية. مصر لا تزال تسير في المسار التعاوني لتجنب الانزلاق إلى صراع يمكن أن يكون مكلفًا، وهو ما رأيناه في شكواها لمجلس الأمن الدولي، التي طالبت فيها بالعودة إلى التفاوض، شرط إعلان إثيوبيا إيقاف التحركات الأحادية وتعطيل ملء السد.

أما بخصوص احتمالات الحرب فهي غير واضحة وغير محسومة، كما أن مصر لم تتحدث حتى الآن عن أي خيار عسكري على الإطلاق. تصريح وزير الخارجية سامح شكري بأن مصر تمتلك إجراءات أخرى يحمل قدرًا كبيرًا من الغموض، ولا نملك مؤشرات حول ماهية تلك الإجراءات، وتلك مسألة معتادة في التصريحات الدبلوماسية، عدم الإفصاح عن الخطوات المقبلة؛ لأن الظروف متغيرة وبناءً عليها قد لا تصبح تلك الإجراءات متاحة حينها.

لكن، هناك دول عربية كالإمارات والسعودية تمتلك استثمارات ضخمة في إثيوبيا، يمكن من خلالها الضغط عليها. هذا أحد المسارات المتاحة.

إذا لم ينجز ملف سد النهضة عبر الطرق السياسية، مثل المفاوضات واللجوء لمجلس الأمن وغيرها، فلن يكون أمام مصر أي خيار سوى خوض الحرب. قضية مياه النيل لا تحتمل التقاعس أو التردد، والمياه خط أحمر لا يمكن الاستخفاف به.. منذ الحضارة المصرية القديمة ومياه النيل خطنا الأحمر، طالع جدران المعابد، لم يكن لملك أن يتولى الحكم إلا بعد قسمه بالحفاظ على مياه النيل.

أود التأكيد على أن ذهابنا للحرب في أثيوبيا لا يعني الاعتداء. الحرب هي ملاذنا الأخير إذا لم تُجد الحلول الأخرى. الأمر تهديد للوجود ولا يحتمل غير ذلك، لكن لننتظر ونرى ماذا يفعل مجلس الأمن بعد إحالة الملف إليه.

بالتأكيد للحرب آثارها السلبية على مصر، لكنها أثار لا تقارن بمنع المياه عنا أو التحكم فيها “لما نيجي نبني مصنع هنبنيه ازاي؟ مش استثمارات دي؟ ولا المجتمعات العمرانية ولا الاستصلاح الأراضي؟! اللي هيعوز يغسل وشه بعد كدة لازم يستأذن إثيوبيا الأول”.

إثيوبيا تريد الحكم على مصر بالتقزم، ولن ننتظر حتى تمن علينا؛ لذلك كل البدائل مفتوحة أمامنا، المياه لنا بمثابة الهواء، لسنا دعاة حرب، لكن لدينا حقوق تاريخية مكتسبة لن نتركها لأثيوبيا تتحكم فيها كما شاءت.

لو كنا نريد حربًا لخضناها منذ 5 أعوام. إثيوبيا تقول إن النهر عابر للحدود، وهي في ذلك مخطئة تمامًا، عابر للحدود تعني أن النهر إثيوبي في الأساس لكن الفائض منه يمر إلى دول أخرى، أما النيل فنهر دولي ملكيته مشتركة، لا هو عابر للحدود ولا مملوك لإثيوبيا.

أعتقد أن الخيار العسكري صعب للغاية؛ سيكون له رد فعل إقليمي ودولي سلبي، وربما عنيف ضد مصر، وبالتالي خسارة مصر تعاطف الدول والشعوب مع قضيتها، كما يتطلب الخيار العسكري أمورًا كثيرة ربما لا تكون متاحة لديها.

المفاوضات هي طريق مصر لعبور تلك الأزمة شئنا أم أبينا. الأمر يحتاج ربما إلى بعض الوقت، ويحتاج إلى تنازلات متبادلة من الطرفين، كل طرف يتنازل عن جزء مقابل موقف مماثل من الطرف الآخر للتغلب على الخلافات. وإذا فشلت المفاوضات ثانية، ليس أمام مصر أيضًا سوى التدخل مرة أخرى لدى مجلس الأمن لإجبار أثيوبيا على إبداء مرونة، والخيار الثالث إحالة المشكلة إلى المحكمة الدولية.

الدول العربية أيضًا يمكنها لعب دور حيوي بالتدخل لمساعدة مصر، وهو الاتجاه الذي يحاول وزير الخارجية سامح شكري المضي فيها حاليًا، من دلائله اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب الثلاثاء.

الدول العربية يمكنها تأييد مواقف مصر في مجلس الأمن. هناك دول خليجية كالسعودية والإمارات تمتلك مصالح واستثمارات في أثيوبيا يمكن من خلالها الضغط عليها وإقناعها بإبداء المرونة والتوصل لاتفاق ملزم، على سبيل المثال إذا استمر تعنتها يمكنها تخفيض العمالة الأثيوبية أو وقف استيراد اللحوم الحية أو وقف وتجميد الاستثمارات هناك، كما يمكن لتلك الدول أيضًا التدخل لدى دول كبرى كالصين أو حتى الولايات المتحدة للضغط على الحكومة الأثيوبية.

باختصار، ما أريد أن أقوله هو المفاوضات هي طريقنا الصحيح، أما الخيار العسكري فلن يكون في صالحنا أبداً.