CODA | أن تسمع بقلبك حكاية أسرة من الصم والبكم | حاتم منصور

CODA | أن تسمع بقلبك حكاية أسرة من الصم والبكم | حاتم منصور

7 Sep 2021
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مشاهد عديدة في فيلم كودا قد تعلق في الذاكرة، على رأسها مشهد يوضح ببراعة طبيعة حياة المقصودين بمصطلح CODA:

A child of deaf adult ابن لبالغين من الصم والبكم.

في المشهد المقصود نتابع روبي بطلة الفيلم المراهقة، تغني على المسرح مع رفاقها. ويتركنا الفيلم نتذوق عذوبة الموسيقى والغناء مع الحاضرين لدقائق، قبل أن ينقلنا فجأة لمنظور أسرة البطلة وكلهم من الصم والبكم (أبوين وأخ أكبر). منظور السكوت التام. منظور عدم السمع.

دقيقة واحدة فقط من الصمت التام المؤلم القاسي في شريط الصوت، كانت كافية لنفهم أكثر كمتفرجين طبيعة التحديات التي يمر بها أبطال قصتنا.

إعلان فيلم CODA

أسرة من الصم والبكم تعمل في مجال الصيد البحري، وتحتاج إلى وجود ابنتها وسطها باستمرار؛ لأنها الفرد الوحيد الذي يسمع في الأسرة، وقادر على ترجمة ما يقولونه بلغة الإشارة، إلى باقي البشر، والعكس.

وابنة مختلفة عن أسرتها، أحبت مجال الموسيقى والغناء دونًا عن غيره، وهو المجال الذي لن يفهمه ويتذوقه أبدًا فاقد السمع.

موسيقى مصر القديمة | كيف علموا العالم السلم السباعي؟ وما علاقته بـ “طقوس الخميس”؟ | أمجد جمال

اذا أحببت شخصًا بشدة، فهل من السهل أن تتقبل حبه وشغفه بشيء لن تفهمه أبدًا؟ هل من السهل أن تتعايش مع احتياجه لمستقبل ومسار بعيدًا عنك؟

واذا كانت أسرتك تعتمد عليك بسبب ظروفها، فهل من الإنصاف أن ترسم لنفسك مستقبلًا بعيدًا عنهم؟

إيميليا جونز – الإبنة في CODA

هذه الأسئلة وغيرها يوجهها فيلم كودا لنا، تمامًا كما يوجهها لأبطاله. وبالتأكيد ليست أسئلة حصرية على عالم الصم والبكم، أو على الأسر الأمريكية.

الابنة وشغفها بالموسيقى محور للقصة، بدلًا من باقي الأسرة فاقدة السمع، يضرب في مقتل ما اعتدناه عن أفلام الصم والبكم وأصحاب الحالات الخاصة، حين يتحول بطل/ بطلة الفيلم إلى مركز ومحور القصة والاهتمام كله، باعتباره الطرف الأكثر استحقاقًا لهذا بسبب حالته.

Soul | روح بيكسار تعود في أفضل حالاتها – الحياة الآخرة في أسئلة الحياة الدنيا| حاتم منصور

والرسالة هنا شديدة الأهمية. الكل مهم في معادلة الحياة. الكل من حقه أن يعيش.

وعلى عكس أفلام عديدة أخرى، تقدم أبطالها الصم والبكم وغيرهم من أصحاب الحالات المماثلة، في صورة الضحايا المساكين الضعفاء، الذين ينتظرون الخلاص على يد بطل رحيم ما، يشيد الفيلم بصورة معاكسة ويشجع على حياة أخرى.

حياة يعيش فيها هؤلاء، وهُم ناجحون في وظائفهم وتجارتهم، وغير معزولين عن باقي العالم. حياة ليس أساسها الشفقة واحتياج العون من الآخرين، لكن أساسها الثقة بالنفس، والكفاح والإصرار على مناطحة كل المعطيات القاسية.

في هذه الجزئية تحديدًا، يبشر كودا مع أفلام أخرى مؤخرًا، وعلى رأسها صوت الميتال الذي ناقشناه سابقًا، بمستقبل سينمائي يناقش حياة الصم والبكم وأصحاب الحالات الخاصة بمنظور أعمق وأنضج. منظور يميل إلى التفهم بدلًا من الشفقة والبكائيات. منظور لا يراهم عاجزين بقدر ما يراهم مختلفين.

Sound of Metal | لماذا يستحق أوسكار أفضل صوت دون منازع؟ | حاتم منصور

هذا المنظور تبلور أكثر وأكثر، مع اختيار 3 ممثلين من الصم والبكم للقيام بدور الأبوين والابن.

الثلاثة – وبالأخص تروي كوتسور الذي يقدم دور الأب – ضمن أقوى عناصر الفيلم.

وجودهم وكفاءتهم تمثيليًا شهادة إثبات أن رسالة الفيلم حقيقية، وأن السينما وغيرها مجالات وظيفية وفنية، يمكن فيها النجاح والتألق للصم والبكم.

تروي كوتسور – الأب في CODA

تجدر الإشارة هنا إلى أن مارلي ماتلين التي تقوم بدور الأم، هي الوحيدة الحاصلة على الأوسكار كأفضل ممثلة من مجتمع الصم والبكم، عن دورها عام 1986 في فيلم أطفال إله أصغر Children of a Lesser God.

يمثل الفيلم المذكور نموذجًا للصياغة السينمائية القديمة القائمة على حبكة الضحية المسكينة الضعيفة من مجتمع الصم والبكم، التي تنتظر الخلاص على يد بطل رحيم ما، في قالب يميل إلى الميلودراما.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎ | حاتم منصور

يتحرك كودا المقتبس من فيلم فرنسي بعنوان عائلة بلير  La Famille Bélier إنتاج عام 2014 بقالب مختلف. قالب سيتركك غالبًا مع دمعة من وقت لآخر، لكنه مزدحم أيضًا بمرح وكوميديا. قالب لا يختزل حياة أبطاله في إطار المعاناة. قالب أقرب للحياة بلونها الرمادي.

مارلي ماتلين – الأم في CODA

سنعرف مستقبلًا هل سينجح كودا في الانضمام لحلبات الأوسكار هذا العام أم لا، وهل ستنال مؤلفته ومخرجته سيان هيدر التقدير مع الممثلين، أم أن بساطة الفيلم واحتواءه على بعض الكليشيهات، ستصبح حائطا منيعا ضد هذا.

Stillwater | يميني – يساري؟ كيف نجح فيلم واحد في إرضاء وإغضاب النوعين؟ | حاتم منصور

منصة أبل في المقابل كانت على صواب، عندما اشترت حقوق كودا عقب عرضه في مهرجان صاندانس السينمائي بـ 25 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم جدًا لفيلم بمعايير إنتاجية متواضعة من هذا النوع، وخالٍ من النجوم.

لكنه بالتأكيد مقابل عادل لشراء فيلم من أفضل أفلام العام، وعمل سيصمد في الذاكرة طويلًا كواحد من أنضج التجارب السينمائية المتعلقة بعالم الصم والبكم.

باختصار:

أغلب أبطالنا لا يتحدثون. لكن ستسمعهم بقلبك، في فيلم سيضحكك ويبكيك بنفس الدرجة، وضمن علامات العام.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك