انتهت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط، وأهم محطاتها زيارته للسعودية، التي التقى فيها ولي العهد محمد بن سلمان، في تراجع كامل عن كل وعود حملته الانتخابية.
فما الذي حدث في الزيارة؟
وهل عاد بايدن بخفي حنين أم هناك إنجازات ستظهر لاحقا؟
س/ج في دقائق
كيف نقرأ وجود بايدن في السعودية ؟
هناك اختلاف في التحليلات حول زيارة بايدن، فالبيض الأبيض يراها بشكل، وكذلك المحللون الأمريكيون، والسعودية.
بايدن قبل الزيارة كتب مقالًا مطولًا وصف بـ “المصاغ بعناية” في واشنطن بوست، عن “بدء فصل جديد واعد ومشاركة أمريكية أكبر في الشرق الأوسط، وتعزيز للمصالح الأمريكية، وإعادة توجيه للعلاقات مع السعودية”.
فرد عليه رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز السعودية، معتبرًا أن تصريحات الموسم الانتخابي مجرد شو ستتجاوز عنه السعودية، لكنها لا تقبل الحديث عن إعادة توجيه للعلاقات، بل إعادتها لمسارها الطبيعي.
السعودية لم يكن لديها مشكلة مع بايدن من البداية، بل بايدن هو من اتخذ مواقف عدائية، أتبعها بخطوات حادة.
بعض هذه الخطوات كانت مجرد محاولة منه لاسترضاء التقدميين الذين ساعدوه للوصول إلى السلطة.
لكن بعضها شكل خطرًا على مصالح الولايات المتحدة نفسها، مثل تجميد صفقات التسليح وسحب صواريخ باتريوت التي تؤمن إمدادات النفط العالمية من هجمات الحوثيين، وكذلك إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب، من أجل استرضاء إيران واستئناف الاتفاق النووي.
لذلك تحدثت بعض المصادر الأمريكية عن “الاستقبال المذل” لبايدن، وركزت على عدم استقبال بن سلمان لبايدن في المطار في حين أنه استقبل باقي الضيوف، وكذلك على طريقة المصافحة بقبضة اليد، وعلى المراسم الضعيفة إذا ما قورنت بمراسم استقبال ترامب.
The Saudi government is quick to post photos of the fist bump between Biden and MBS https://t.co/yc3fkGK2xI
قبل الزيارة، صدر تحذير من استقبال مذل من أكتر من محلل أمريكي، خصوصًا بعد تصريح بن سلمان بأن السعودية تدرك مصالحها وستذهب إليها بغض النظر عن أي اعتبارات من أي مسؤول لا يستطيع استيعاب ما يحدث في المنطقة.
وكذلك صدرت تقارير عن رفض ولي العهد استقبال مكالمة بايدن، الذي تعرض للسخرية في عرض تليفزيوني على قناة إم بي سي في رمضان الماضي، وقد وصفته الميديا الأمريكية بأنه أجرأ مما قدمته فوكس نيوز، وصولًا للسجالات الإعلامية حيث كان الإعلام السعودي يرد بحزم على التقارير والتصريحات الأمريكية.
آخرون، على الجانب الأمريكي، انتقدوا الاستقبال من وجهة نظر أخرى، على أساس أنه احتوى قدرا من “المودة والراحة” منحت ولي العهد السعودي ما أراد.
تيران مقابل حرية الطيران.. ألا تعتبر تسوية مهمة؟
في ملف تيران وصنافير، بايدن أعلن إن قوات حفظ السلام الأمريكية ستنسحب من الجزيرتين، بالتزامن مع تصريحات إسرائيلية بقبول إعادة السيادة على الجزيرتين من مصر إلى السعودية بناء على اتفاقهما في 2016. وهي العقبة الأساسية التي أعاقت إعادة الجزيرتين منذ اتفاق السلام المصري الإسرائيلي.
هذا يعني أن طلبات السعودية في هذا الملف نفذت بالكامل، وأنها ستفرض سيادتها الكاملة على الجزيرتين، مقابل ضمان حرية الملاحة لكل السفن، بما فيها الإسرائيلية، في مضيق تيران.
بالمقابل، السعودية أعلنت فتح أجواءها للطيران المدني عمومًا، بما يشمل الطيران الإسرائيلي، رغم إن السعودية تجنبت تسمية إسرائيل.
الإجابة المختصرة نعم. لكن للإجابة عن هذا السؤال بتفصيل أكثر نحتاج للتطرق إلى نقطتين:
الأولى: من أدار التفاوض كان الاستخبارات الأمريكية وليس مؤسسة الخارجية، بما تسبب في أزمة داخل إدارة بايدن، وبالتالي نسب الإنجاز لبايدن يثير علامات استفهام.
الثانية: بايدن وصف السماح بحرية تحليق الطيران الإسرائيلي بالخطوة الملموسة الأولى في مسار التطبيع الأوسع للعلاقات. وهو ما تحفظت عليه السعودية علنًا، بما يعني أن تنسيق الخطابات لم يسر كما يفترض.
كذلك، مسار التنسيق والتفاهمات غير المعلنة بين السعودية وإسرائيل منفصل عن أي جهد لإدارة بايدن في هذا الملف.
ماذا حدث في ملف إمدادت النفط تزامنًا مع وجود بايدن في السعودية ؟
وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير أكد أن بايدن لم يحاول الضغط على الرياض لزيادة إنتاجها من النفط.
وقال ولي العهد محمد بن سلمان إن السعودية ستنفذ خططها “القديمة” لزيادة الإنتاج لحدود 13 مليون برميل يوميًا.
هذه الزيادة كانت مخططة بالفعل ضمن سياسات أوبك بلس، مما يعني أن بايدن لم يحقق أي اختراق إضافي. وإن كان هذا لا ينفي أن أي تحرك سعودي سيكون كفيلًا بالضغط على الأسعار هبوطيًا.
يضاف إلى ذلك، تحذير الأمير محمد من تبني سياسات غير واقعية لإقصاء مصدر رئيسي للطاقة في العالم، في الإشارة لروسيا.
هل يستعد بايدن لدور أكثر فاعلية في الشرق الأوسط كما صرح؟
من المفهوم أن واشنطن متخوفة من توسيع بكين وموسكو لتحالفاتهما في الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن هذا في أول زيارة لبايدن للمنطقة، لكن المفاجئ كان التحدث عن هذه النقطة علانية.
المفاجئ كذلك أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تكلم بوضوح عن استعداد دول المنطقة للدفاع عن الأمن الإقليمي بقدراتها الذاتية، وأن المنطقة ستتعاون لحماية مصالحها وحقوقها بكل الوسائل، وهو ترسيخ لمبدأ مطلوب العمل بموجبه من أي شريك يريد التعاون مع دول الشرق الأوسط.
أهم نقطة في هذا السياق هي استغلال دول المنطقة للعبة التوازنات لضمان مصالحها، مع انسحاب أمريكي واضح ومفاجئ، ومع محاولة واضحة لاسترضاء إيران على حسابهم.
بالتالي، وبما إن بايدن وعد بأن أمريكا مستعدة للاستثمار في علاقاتها مع الشرق الأوسط، فالمطلوب أولًا تحقيق الوعود قبل الحديث عن تقديم التزامات مقابلة.