أكتر واحد | كيف كان ألبوم عمرو دياب علامة فارقة في موسيقى البوب؟ | أمجد جمال

أكتر واحد | كيف كان ألبوم عمرو دياب علامة فارقة في موسيقى البوب؟ | أمجد جمال

19 Aug 2021

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بعد أيام من طرح عمرو دياب ألبوم “أكتر واحد” كتب الناقد أشرف عبد المنعم بجريدة الأهرام مقالًا بعنوان: “عندما لا يأتي رائد التجديد بأي شيء جديد!”

ألبوم أكتر واحد عمرو دياب انتقاد الأهرام

كعادة الأحكام المتسرعة، صدم المانشيت المهتمين بصناعة الموسيقى وقتها، خاصة وهو يصدر من ناقد متحمس لمشروع عمرو دياب بالأساس. وعن “أكثر واحد” الذي يعتبر أحد أكثر ألبوماته اكتمالًا وأعلاها جودة بشهادة الكارهين قبل المحبين.

التفسير حسن النية هو أن ألبوم “أكتر واحد” جاء ليكمل ما بدأه الألبوم عمرو دياب السابق “تملي معاك” خاصة والناقد يعلق سلبًا على كثرة استخدام الجيتار تحديدًا، وهي سمة مشتركة.

الأحرى أن معظم أغاني البوب العربية التي جاءت بعد تملي معاك مدينة له بشيء.

الموزع الموسيقي طارق مدكور – موزع الألبومين بالكامل – له تصريح شيق في هذا الصدد، إذ يشبّه ألبوم تملي معاك بالنسبة للموسيقى العربية بآخر مراحل تطور الملابس عند البشر؛ فمن العراء للفرو، للعباءة والجلباب، ثم البدلة. يعتبر تملي معاك هو مرحلة البدلة، وكل تجديد بعد البدلة سيقتصر على اختيار لون ورسمة الكرافتة فقط. إذ انتهى عصر النقلات الموسيقية.

عمرو دياب .. ربيع عمره ربيع فنه

صيف 2001.

أتذكر تلك الأيام، قبل صدور ألبوم “أكتر واحد” بأسابيع يطل علينا عمرو دياب بضع مرات يوميًا بإعلان المياه الغازية، يشوّقنا بمقطع من أغنية “أكتر واحد”، وهو يغازل بائعة السوبر ماركت بعبارة “أغنيلك؟”

ثم صدر ألبوم “أكتر واحد” كاملًا. وكان من الصعب الحصول على نسخة أصلية منه؛ لأن الطبعات كانت تنفد سريعًا.

كان حلم الشاب وقتها أن يكون نسخة من عمرو دياب. مظهره العصري ونجاحه الاستثنائي ومواكبته للجديد.

شكلًا وموضوعًا، كان ذلك أكثر شيء حداثي ناطق بالعربية يمكن رؤيته أو سماعه وقتها.

تعددت الأسباب لتوهج عمرو دياب في مطلع الألفية؛ فترة الذروة بمسيرته.

أبرزها تزامنها مع مشارف دخوله سن الأربعين. كان في أفضل شكل له، وأفضل حالة صوتية، وأنضج حالة ذهنية. والأهم أنه كان في النقطة الوسط والأبعد من اندفاع الصبا وتراخي الشيب.

كذلك كان حماسه الشخصي محتدمًا للوصول إلى العالمية، وهو دافع مختلف نوعيًا عن دوافع منافسيه في تلك الفترة، ما ميّزه عنهم بخطوات بعيدة.

التوفيق بين الهوية والتقنية

هذا الدافع كان يظهر ويختفي في بضعة أعمال له قبل مطلع الألفية، لكنه تفجّر تمامًا في “حبيبي ولا على باله” التي تفتتح ألبوم “أكتر واحد” والتي صورت لتصير النموذج الأوضح على مزج الموسيقى الشرقية بالغربية.

 

أهمية الأغنية تجاوزت هذا الحد، فكانت أقرب لعريضة دفاع عن التطور ضد الذوق المحافظ؛ بتقديم الدليل العملي بأن الموسيقى لغة عالمية عابرة للهويات، وما نصنفه شرقيًا وغربيًا ليس إلا قوالب أو برواز.

يشتبك اللحن والتوزيع بصورة تشبه الجدال. لذا كان اللحن جملة ثابتة تعاد وتشم فيها رائحة الغناء القديم، بينما التوزيع متغير ومتعدد الأشكال. وكأنهما تمثيل لعلاقة الهوية الثابتة بالتقنية المتطورة.

لحن محمد رحيم كان مثاليًا لإنجاح التجربة، فهو على مقام الكرد، مقام مشترك بين الشرق والغرب؛ لأن أبعاده نصف نغمية، يستخدم في الأغاني الأجنبية بمسمى الفريجيان. وكذلك نسمعه في مئات الأغاني العربية القديمة التي نسميها “طربية”، مثل: انت عمري – حبك نار – الربيع – نسم علينا الهوى.

الخروج من صحراء الموسيقى

حالة الاشتباك بين اللحن والتوزيع تظهر في الافتتاحية الموسيقية للأغنية، والتي تصل مدتها لدقيقة و٤٥ ثانية قبل بدء الغناء، أطول كثيرًا من افتتاحيات الأغاني العصرية.

تدخل الأصوات الشرقية مع الأصوات العالمية في معركة، وتستمر حركات الكرّ والفرّ لفرض هوية ما على الأغنية.. دون جدوى ولجدوى.

الاشتباك يظهر أيضا في طريقة تصوير الأغنية، بحالة التناقض بين لقطات الصحراء ولقطات الديسكو الأوروبي، بين الفتاة السمراء والفتاة الشقراء، بين رقصة سامية جمال ورقصة التكنو، بين عمرو دياب الطفل وعمرو دياب الرجل الناضج الذي خرج من سجن الصحراء وصار أكثر انفتاحًا وتواصلًا مع العالم، مؤثرًا ومتأثرًا.

عمرو دياب.. الحُب وَحدهُ يَكفي جدًا

أزهى عصور البوب

في مقالة عبد المنعم التاريخية، يعيب على توزيع أغنية “يا حبيبي لا” عدم اعتماده على خط وتريات في الخلفية، قائلًا إنها تسبح في الفراغ الكامل إلا من آلة الجيتار. هذا هو نفس سبب إعجابي بتوزيع الأغنية وعدد آخر من أغاني ألبوم “أكثر واحد” التي يمكن سحب نفس “التهمة” عليها.

ورغم أنه يفتتح مقاله بانتقاد التكرار، لم يلحظ أنه يطلب من الموزع تكرار نفس ما فعله بأغاني رومانسية سابقة مع دياب مثل “خليك فاكرني 1999″ و”بعترف 2000”: إيقاع روك تحيطه أصوات الكمانجات والتشيلو (كي لا يسبح في الفراغ).

لم يكرر الموزع طارق مدكور ذلك، ولعله الجديد فعلًا. وهو السبب في أن أغاني ألبوم أكتر واحد لها طابع شديد التطور، فتشبه ما كان يسمعه جيلنا وينبهر به بأغاني “بوب الألفية” لبريتني سبيرز ويستلايف وإنسينك وباك ستريت بويز وبلو.

باختصار، هي أغاني الستايل (ويسمى أحيانا groove): توليفة من الإيقاع وخط الـ bass والنغمات المتآلفة (chords)، تركيبة تتناغم وتتكرر بشكل لزمة لتعطي الأغنية تأثيرها الحسي والحركي.

هناك خلاف عالمي على تعريف موسيقى البوب. أهي قالب موسيقي بسمات فنية محددة؟ أم هي ببساطة الموسيقى الرائجة في زمن ما؟ أم هي كل شيء ليس روك ولا جاز ولا كانتري؟! رأيي أنها تقع في نقطة تجمع ما سبق، وقد استورد مدكور نسخة الألفية منها في ألبوم أكتر واحد بأبهى حالة.

يا حبيبي لا

يصاحب الغناء لزمة جيتار معدني متكررة هي نفسها الجملة الافتتاحية للأغنية، وتستمر لتتآلف مع اللحن الحساس لعمرو مصطفى، فتنسجم معه رغم عدم تطابقها مع اللحن حرفيًا، وهذا أصعب وأجمل. في علم الموسيقى حين يتآلف لحنان مختلفان ومتزامنان فذلك يسمى كاونتربوينت… مرحلة متقدمة من الهارموني أجادها طارق مدكور.

لكنه اقتبس لزمة الجيتار من أغنية 7 Days للبريطاني كريج دايفد، أشهر أغنية rnb في عام ٢٠٠٠، وقام بتطويرها وتعديل أبعادها لتلائم لحنًا غنائيًا حقيقيًا وليس نصف راب كما بأغنية دايفد. أيضا هذا أصعب.

الكلمات من أفضل ما كتب بهاء الدين محمد، عريضة دفاع عن النفس، يسقط فيها المتكلم في فخ العاطفة كلما حاول أن يكون عقلانيًا، ويصل لقمة التعبير في: “دنا لما كنت بقول بقصد كلامي يطول يمكن تقول حاجة أسمعها أصفالك.”

سهران (1) | هل صمد عمرو دياب أمام تسونامي حسن شاكوش؟ | أمجد جمال

بعد الليالي

الجروف هنا غربي، تنغيمه أصعب؛ لأن لحن خالد عز يمرّ على مقام البياتي، وهو مقام ربع نغمي شرقي بحت ويصعب إخضاعه لنظرية الهارموني الغربية إلا ببعض التحايل،

لذا يلجأ مدكور لإدخال آلة القانون بالأجزاء التي تظهر بها شخصية البياتي في “والله ازاي يهون عليك – وحشوني كتير عنيك”.

التوليفة الإيقاعية لمدكور صارت علامة مسجلة باسمه، تركها تتصاعد وتخفت بدينامية نادرًا ما تجدها بأغنية حزينة.

فاصل الوتريات بمنتصف الأغنية جاء سينمائيا، يمكنك أن تسمعه ويمكنك أن تراه، وهو يثير حالة من التأمل في معاني كلمات الفقد والوحشة التي كتبها محمد رفاعي، تلك أغنية عن الزمن، والفاصل معبر عن الزمن سواء بمدته أو بتطوراته.

يعود الجروف ليمهدنا لكوبليه ثان أكثر تأثيرًا بصوت عمرو دياب في أفضل أداء صوتي سمعته له عمومًا.

أحبك أكرهك

كلمات الشاعر أيمن بهجت قمر لخصت الحالة التي نسميها الآن “علاقة سامّة”، وتجلى توظيف الاستعارات والشرح المباشر معا في “إحساسي دا ممكن يهد جبال يضيّع .. بين حبي ليكي وكرهي ليكي خيط رفيّع .. لا القرب مرتاحله ولا البعاد أقدر عليه”.

تبدأ الأغنية بصوت آلات النحاس المخلقة آليًا، لتلعب لزمة تصاحب لحن المذهب وتحاكي معنى الكلمات المعبر عن الحيرة والتقلب، ثم تنضم له توليفة إيقاع بوب سريعة، ونوتات جيتار تتجانس مع كل جملة ثم تقود الفواصل بنعومة.

أديني رجعتلك

لحن عمرو دياب الذي اختار أن يبدأه من الدرجة الأعلى (الجواب)، ليؤكد أن حماسه بالعودة لحبيبته حماس مشترك لا مجرد استجابة لندائها. فيلائم الكوبليه الأسطوري: “قوليلهم مش ندهاني، هو اللي وحشته، وجاني”.

كلمات بهاء الدين محمد تحولت لميم في حياتنا اليومية قبل أن نعرف ماذا تعني كلمة ميم! وبالتحديد جملة “كفاية دموع بقى مش عارف اشوف عنيكي”.

يسير اللحن على مقام كرد مع الانتقال للبياتي في “كفاية دموع بقى” ولكن دون دعم من آلة القانون على غرار “بعد الليالي”، وذلك لضعف شخصية البياتي هنا فالكرد لا يزال مسيطرًا.

استخدم مدكور آلة الدف مع الدرامز الآلية في صنع توليفة إيقاعية لها صلة قرابة بتوليفة “وهي عاملة ايه دلوقتي” بالألبوم السابق، والأغنيتان لنفس الشاعر، ويعتبرهما دياب جزءا أول وثانيا لنفس قصة الحب، فراق ثم عودة.

صدقني خلاص

قدم عمرو مصطفى خمسة ألحان في “أكتر واحد”. جاء جميعها – كالعادة -على سلالم المينور بمقاميه الأكثر عاطفية (نهاوند وكرد)، الاستثناء الوحيد كان “صدقني خلاص” وجاءت على سلم الميجور (عجم) الذي تتسم ألحانه بإحساس الفرحة والانطلاق وتتجلى في جملة  “قرب مني شوية شوية ..الخ”.

اقتبس مدكور معظم أفكار توزيعه من أغنية My Love لفريق ويستلايف. رغم اختلاف اللحنين يمكنك غنائهما معًا في أغنية واحدة. الإيجابي هنا أن صناع ألبوم أكتر واحد كانوا محددين في وجهتهم الموسيقية وفي دراسة كل موضات السوق العالمي.

سهران (2) | تحليل شامل لأغنيات ألبوم عمرو دياب الجديد.. هل يكرر نفسه؟| أمجد جمال

كان طيب

الأغنية الوحيدة في ألبوم أكتر واحد من قالب المقسوم التسعيناتي، وهي نسبة قليلة جدًا، مقارنة بالمنافسين.

امتداد النبرة الساخرة بكلمات أيمن بهجت قمر التي لاقت ترحيبا واسعا منذ بدأها في “كدا عيني عينك” 2000، ويكتمل تصاعدها في “كلهم” 2003.

اللحن الثاني لعمرو دياب في الألبوم، انتقل بين مقامي العجم والكرد على سلم ري الكبير، والجملة اللحنية للمذهب “كان طيب كان حنين” شبه مطابقة للحن “كلمني طمني” لمحمد فوزي، لولا حشو منتصفها بنغمات جديدة عملت عمل علامات الترقيم بين الجمل، بخلاف حالة التدفق في لحن فوزي.

فخرجت بنكهة عمرو دياب مع لحن كوبليهات جديد و”زنّان”.

وهنا ملاحظتان:

أولًا: عمرو دياب سمّيع جيد للقديم وليس منسلخا عن جذوره.

ثانيًا: داخل ألبوم أكتر واحد كانت ألحان عمرو دياب فقط التي تنتقل بين مقامين أو أكثر بالأغنية الواحدة وهذا يحتاج لخبرة.

موسيقى اللاتين.. التطور الأخير

يكمل عمرو دياب خطوط موسيقى اللاتين التي كان بدأها في ألبومه السابق. لاحظ أنه سيهجر هذه النوعية لسنوات، بداية من ألبومه التالي “علم قلبي” 2003.

  • أغنية “أكتر واحد” بيحبك، هي امتداد لـ “العالم الله”، بعد تزويد الجروف الراقص بصقفات الفلامنكو وأصوات طبول أغزر وأغلظ جعلتها أقرب لهجين من السامبا والفلامنكو.
  • “قلت ايه” امتداد لـ “قلبي اختارك”، بالتعديل في قالب التشاتشا فيتحول إلى رومبا.
  • “ولا ليلة” امتداد لـ “سنين”، البوب لاتين الراقص لكن بقيادة الأوكورديون بدلا من الوتريات.

نعم أغنيات اللاتين تطورت في هذا الألبوم، لكنها كانت الحلقة الأضعف في الكلمات، لدرجة تجعلني أتساءل ما الشيء الخارق في “أكتر واحد” ليشترك في كتابتها شاعران معا؟!

لعل الاستثناء في بعض شطرات “قلت إيه”، للشاعر خالد تاج الدين وأبرزها الصورة الجميلة في “ازاي هتنسى الحضن دا، وانت اللي ياما اشتقت له، قرب كمان عمرك وأحلامك هنا.”

الحصاد

أغنية الهيد كانت تجربة جريئة بمعيار زمنها. أداء عمرو دياب في أفضل حالاته. جودة الصوت كانت نقلة في عالم التسجيلات العربية، وتوزيعات طارق مدكور وضعت الأغنية المصرية على خط الأغنية العالمية من حيث التقنية. ألبوم أكتر واحد كان نقطة انطلاق لموهبة الملحن خالد عز والشاعر خالد تاج الدين.

الدرس المستفاد في ما بعد .. لو سمعت جديدًا للهضبة فتمهل لبعض الوقت قبل أن تكتب “لم يأت بجديد!”.

بعد تملي معاك .. 5 ألبومات لم يغنها عمرو دياب تستحق احتفالًا سنويًا | أمجد جمال


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك