مسلسل مين قال.. كيف ربح السباق الرمضاني هذا العام قبل انتهائه؟| أمجد جمال

مسلسل مين قال.. كيف ربح السباق الرمضاني هذا العام قبل انتهائه؟| أمجد جمال

16 Apr 2022

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يسهل اعتبار “مين قال؟!” الحصان الأسود لدراما رمضان ٢٠٢٢، أتى خارج توقعات الجميع، وجدناه فجأة دون دعاية تذكر، وبغياب أسماء النجوم، وباعتماد قوامه الأساسي على أكبر كم من الوجوه الجديدة الشابة التي يصعب الرهان عليها.

عامل الثقة الوحيد أن العمل يقف وراءه ورشة سرد للكتابة، الورشة التي أسستها الكاتبة مريم نعوم وحققت سمعة جيدة في الأعوام السابقة بأعمال تملك حد أدنى من الطزاجة والمشاكسة. وتكون في العادة عن بطل يتمرد على معايير مجتمعه ويكتشف مسارا غير تقليدي لحياته.

مين قال، يتناول حياة سبعة مراهقين من الطبقة الوسطى العليا، وهم في السنة الأولى من حياتهم الجامعية متأثرين بنتائج الثانوية العامة، وبتوقعات وضغوط الآباء في ظل رحلة اكتشافهم لأنفسهم وسعيهم خلف أحلامهم الخاصة. مع التركيز على حياة البطل شريف (أحمد داش)، الشغوف بمجال التجارة وريادة الأعمال، ضد رغبة والده (جمال سليمان) بأن يلحقه بكلية الهندسة.

هناك ٥ أسباب لتفوق مين قال؟ في هذا السباق الرمضاني

١. مشاكل تمس الجميع

“مين قال” يرث نفس الجينات أو التوليفة الطبقية والفكرية لأعمال ورشة سرد السابقة، لكنه يفعلها بشكل أكثر طبيعية، ويستحضر صلة وثيقة مع مختلف الشرائح الجماهيرية، إنهم سبعة أبطال، يمثلون سبعة نماذج بشرية مرسومة بفهم عميق. تستطيع أن ترى نفسك في أي بطل من أبطال هذا العمل حتى لو لم تكن من نفس الشريحة الثقافية أو الطبقية أو العمرية.

فالمسلسل ينتصر لفئة الشباب لكنه لا يتعالى على الكبار بل يتفهم ويتعاطف مع مخاوفهم. يمر على رفاهية الأغنياء أو ميسوري الحال لكنه يستبعد مبدأ الأمان الاقتصادي المطلق. وإن كان يبدو دراما برجوازية فهذه الدراما مازالت منشغلة بفكرة العمل والكفاح. كذلك هو يتناول مجتمع الكومبوند مع الإقرار أن هذا المجتمع لم ينجح في العزلة التامة مهما كانت ظنونه ومحاولاته ومازالت التأثيرات الخارجية عليه حاضرة.

أيضا، يخطو المسلسل ناحية عدد من المواضيع والتيمات الفرعية المهمة، مثل ظاهرة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتنمر الإلكتروني، والمشاكل النفسية مثل صعوبة القراءة ونوبات الهلع واضطراب القلق الاجتماعي.

باختصار، هذا مسلسل للجميع، وإن بدا ظاهريا عن سنوات المراهقة بأثر حاضر، فهو عنها بأثر رجعي كذلك، مثلما هو عن الصداقة، والأسرة، واكتشاف الذات وإدراك الأحلام.

٢. البُعد عن الصخب

في ظل تخمة المعروض من أعمال درامية، غالبيتها العظمى تدور في إطار محتقن وصاخب وغرائبي وصادم وكئيب. يخرج “مين قال؟!” عن السرب بتقديم دراما يمكن وصفها بالهادئة.

وشتان الفارق بين الدراما الهادئة والدراما المملة، لم يعتمد على عنف أو قضايا كبرى أو أفكار جدلية، فقط اعتمد على بشر عاديين يخوضون تحديات “بسيطة” مقارنة بما يعرض على القنوات المجاورة، لكنها تحديات صادقة، ومصاغة بمهارة درامية.

لا تتركك الحلقات على حافة الجبل، ولا تنتظر كشف أسرار ومفاجآت تقلب الأمور رأسا على عقب، ولا توجد صدمات أو التواءات في الحبكة، أنت فقط تتابع لأنك تورطت عاطفيا مع تلك الشخصيات، وجدتها حقيقية وتتصرف بطبيعية، وهذا يكفي.

مسلسل البحث عن علا | الرجال ليسوا ضروريين في عالم الكومباوندات | أمجد جمال

٣. عالم جديد

العالم الذي يقدمه المسلسل مميز على عدة مستويات، أولها اختيار نوعية دراما المراهقين، وتحديدا فئة البلوغ/النضج أو (coming of age)، الفئة التي يقرر فيها الشباب ماذا يريدون من حياتهم. وهو صنف شديد الندرة على مائدة الدراما التلفزيونية العربية عموما، والرمضانية خصوصا.

حيث لا يوجد مرجع فني واضح لهذه النوعية سوى في الأعمال الأميركية متعددة الشخصيات أمثال Gossip Girl أو One Tree Hill أو Dawson’s Creek أو 13 Reasons Why.

لكن “مين قال؟!” لم يستعر الشكل الأميريكي من هذه النوعية، بل قدمها في شكل جديد مصري ١٠٠%، متعلق بمشاكل فئة من الطلبة المصريين والمستمدة من نظام تعليمي وتوظيفي مختلف، في ظل مجتمع ذي تطلعات وهموم أخرى، وإن لم يفقد الصلة تماما بالمشاكل العالمية للجيل Z والمتعلقة في أغلبها بارتباط نشأتهم بالتكنولوجيا الرقمية.

إذا، العالم في المسلسل ظهر جديدا، مرة أولى للنوعية ومرة ثانية للتناول المصري، ومرة ثالثة لحداثة تلك الحالة المصرية نفسها، رغم أنها موجودة وأصيلة، فنحن لازلنا نتحدث عن طبقة اجتماعية جديدة في مصر، توصف بطبقة الكومباوندات أو الأحياء الحديثة ومدن الجيل الثالث التي حددها المسلسل هذه المرة بحي “التجمع” في القاهرة الجديدة.

بعد بضعة محاولات سابقة لاقتحام هذا المجتمع وتحليله دراميا، باءت معظم المحاولات بالفشل وشابها السطحية والنمطية والتدرج بين انبهار ساذج أو أحكام طبقية متعسفة، ينجح “مين قال؟!” في تقديم حالة حية ومدروسة وموضوعية عن هذا المجتمع، وبقدر ما يقدمه من صورة جذابة، لم يقع في فخ عرض بورنو عن الثراء و”اللايف ستايل” كما شاهدنا في “البحث عن علا” مثلا!

هنا يعود الفضل للمخرجة نادين خان، التي سارت على نفس أسلوبها الطبيعي الواقعي بمسلسل “سابع جار”، المبدع الجاد يستطيع أن يعيد اكتشاف المجتمع لو تخلى عن الصور الدرامية النمطية التي سبقت أعماله، أو عن الصور الذهنية الكسولة غير المدعومة بدراسة وتجربة شخصية.

نجحت نادين أيضا، في التقاط شخصية مميزة لمكان الأحداث، رغم أنه ليس من الأحياء العريقة أو المميزة، لكنه البيئة الحاضنة لتلك الشخصيات، والمؤثرة في مسار حياتهم. لذا كان من الجيد عرض أبعاده الشكلية من خلال اللقطات التأسيسية وغيرها من مشاهد التصوير الخارجي.

وكذلك أحسن صناع العمل اختيارهم لأغنية التتر بأسلوب الراب من شاهين، فالشكل الذي يغنيه شديد التوافق مع تمرد الموضوع والقالب الدرامي للمسلسل، ويجعل العالم كله متسق مع ذاته منذ اللحظة الأولى.

مسلسل الجسر | أين تفوق على مسلسل “النهاية” وأين خيب التوقعات؟ | أمجد جمال

٤. منظومة ال١٥ حلقة

يقول روجر ايبيرت: “ما من فيلم عظيم طويل جدا، وما من فيلم سيء قصير بما يكفي.”
بالطبع ليست العبرة دائما في عدد الحلقات، أو في المدة الزمنية للعمل الفني. فكم من عمل عظيم تجاوز ال٣٠ حلقة، والعكس صحيح، العبرة بإذا كان الموضوع يحتمل هذا الكم من الحلقات.

“مين قال؟!” واحد من مسلسلين فقط خلال الموسم اكتفيا بعرض أحداثهما بنظام ال١٥ حلقة. وبعد المشاهدة والتقييم أستطيع القول أن هذا هو الكم العادل والمناسب لتلك الحكاية فعلا، وهو ما أثر إيجابيا وبوضوح على إيقاع وانسيابية الأحداث. مع الوضع في الاعتبار العدد الكبير من الشخصيات الرئيسية.

وبطبيعة الحال تجد أنه من أقل المسلسلات التي يشكو متابعوها من ظاهرة المط والتطويل والملل.

مدرسة الروابي للبنات | دراما مدرسية من خارج “المُقرر” | أمجد جمال

٥. طزاجة الوجوه وتلقائية التمثيل

لا نعرف معظم أبطال المسلسل الشباب، هم وجوه جديدة من خلفيات مختلفة، لكن عملية الكاستينج بارعة لدرجة تشعرك أنهم جاؤوا ليجسدوا شخصياتهم الحقيقية في الواقع. خاصة وكل شخصية تنال حقها من التصميم والأبعاد والدوافع، وتلك هي الميزة الأبرز للكتابة بمنظومة الورشة.

لكن من حيث الأداء، فالفضل يعود أيضا للمخرجة التي استطاعت دمج الهواة مع المحترفين، وأخرجت حالة طبيعية من الأداء والكيمياء بينهم، وهو أمر صعب، خاصة وأن الصداقة تيمة رئيسية في المسلسل.

يسهل التنبؤ بمستقبل فني جيد لبعضهم وأخص بالذكر إلهام صفي الدين التي لعبت دور زينة الإنفلونسر.

أما بالنسبة للوجوه المعروفة، أدى أحمد داش، الموهوب فطريا، شخصية شريف بقدر من العفوية والاختلاف عن الشخصيات التي لعبها في السابق، ورسم طابع مميز لطريقة كلام الشخصية وعصبيتها وحركات جسدها المعبرة عن التوتر والحماس المفرط الذي يتطور لمشاكل نفسية وصحية أحيانا.

ورغم أن جمال سليمان مازال يعاني من صعوبة في إتقان اللهجة المصرية، لكن هذا لم يحول دون أداء دوره بشكل بارع، خاصة في اللقطات الصامتة المعتمدة على النظرات، بل صادف أن لهجته الثقيلة مفيدة لتلك الشخصية تحديدا، فإذ كنا بصدد أب يفكر بطريقة مختلفة ١٨٠ درجة عمن هم حوله، ويتحدث لغة قديمة عفى عليها الزمن، فلا بأس إن كانت لهجته الفعلية نفسها بها لمحة أجنبية تعمق فكرة انفصاله عن الواقع.

بقى القول، أن مين قال؟! أمامه فرصة عظيمة لبناء أجزاء أخرى تتابع مصائر نفس الشخصيات، ولكن بأفكار وتحديات جديدة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك