حرب الماعت | موكب المومياوات بين “اللي على راسها ريشة” و”اللي على راسه بطحة” | أحمد رجب

حرب الماعت | موكب المومياوات بين “اللي على راسها ريشة” و”اللي على راسه بطحة” | أحمد رجب

6 Apr 2021
أحمد رجب دقائق نت
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

سأصف المشهد كما قد يصفه لك الدكتور هاوس في مسلسله التلفيزيوني الشهير House MD:

بقعة داكنة على صورة أشعة إكس، أو أخرى فاتحة على صورة الرنين المغناطيسي، هى وحدها ما سيحوز انتباه الطبيب. لماذا؟ لأنها شذوذ  anomaly. والأطباء يعشقون كل يشذ عن الوضع الطبيعي.

House MD Gif Dump #1 - Album on Imgur

الماعت وضدها

بهذا المنطق، قد تمثل تويتة صاحب شعار الأزهر قادم “مصر عربية إسلامية. هذه هويتنا، شاء من شاء وأبى من أبى” نقطة الانطلاق الأهم بالنسبة للمثقف في حديثه عن موكب الملوك الذهبي.. باعتبارها المعادل الثقافي للدم في البول.

May be an image of one or more people and text

معرفتك بـ “اللي على راسها ريشة” لن تكتمل بغير معرفتك بـ “اللي على راسه بطحة”.

معرفتك بـ “الماعت” لن تكتمل بغير معرفتك بمن لا يلبث يعلن عن نفسه كنقيضها.

معرفتك بما قدمه الإنسان المصري القديم، لن تكتمل بغير معرفتك بما يطرحه عبد الله رشدي عن الحلال والحرام، بالأوامر والنواهي المفروضة من الخارج.

وبضدها تتميز الأشياء.

موكب المومياوات الملكية | 22 ملكًا يعرضون تاريخ مصر في شوارع القاهرة | ألبوم صور في دقائق

سر التفرد أنه يتكرر

هناك أشياء يكمن سر تفردها ليس في أنها لم تحدث من قبل، وإنما لأنها لا تتوقف عن التكرار. الموكب الذهبي واحد من تلك الأشياء.

حفل جنائزي يحييه حاكم مصري لمن سبقوه إلى العرش وهو واقف في وضع الانتباه العسكرية، بينما تدوي طلقات التشريفة العسكرية الـ 21 في الأرجاء.. لا بد أن هذا تكرر مئات المرات على طول تاريخ الدولة المصرية. سر التفرد هنا أنه لا يزال يتكرر حتى بعد سقوط هذا الحكم – أو هكذا كنا نظن – بآلاف السنين.

أسرة مصرية تقف في شرفة منزلتها لتحيي بكل الحب والإجلال موكب الأجداد.. لا بد أن هذا كان مشهدًا روتينيًا في مصر القديمة. سر التفرد هنا أنه لا يزال قائمًا بعد ألفي عام تقريبًا من الزن المقدس على آذان المصريين بتكفير هؤلاء الأجداد.

لماذا ظل السيسي صامتا في استقبال الموكب الذهبي؟ مصر حقيقة مش أساطير | خالد البري

على دين آبائه بفطرته

بينما يقف أمام ميزان أوزوريس، قلبه في كفة وريشة ماعت في كفة، يردد المصري القديم على طريقة الاعترافات العكسية:

أنا لم أرتكب خطيئة
أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه
أنا لم أسرق
أنا لم أقتل
أنا لم أسرق الطعام
أنا لم أختلس القرابين
أنا لم أسرق ممتلكات المعبد
أنا لم أكذب
أنا لم أخطف الطعام
أنا لم أشتم
أنا لم أغلق أذناى عن سماع كلمات الحق
أنا لم أزن
أنا لم أتسبب في بكاء الآخرين
أنا لم أنتحب بلا سبب
أنا لم أعتد على أحد
أنا لم أغش أحدا
أنا لم أغتصب أرض أحد
أنا لم أتجسس على أحد
أنا لم ألفق تهمة لأحد
أنا لم أغضب بدون سبب
أنا لم أغو زوجة أحد
أنا لم أدنس جسدي
أنا لم أرهب أحدا
أنا لم أخالف القانون
أنا لم أتماد في الغضب
أنا لم أسب النترو (الإله)
أنا لم أستخدم العنف ضد أحد
أنا لم أهدد السلام
أنا لم أتصرف بغوغائية
أنا لم أتدخل فيما لا يعنيني
أنا لم أتحدث بالنميمة
أنا لم أفعل الشر
أنا لم يصدر عني أفكار / كلمات / أفعال شريرة
أنا لم ألوث مياه النيل
أنا لم أتحدث بغضب أو استعلاء
أنا لم ألعن أحدا بكلمة أو فعل
أنا لم أضع نفسي موضع شبهات
أنا لم أسرق ما يخص النترو
أنا لم أنبش القبور ولم أسئ إلى الموتى
أنا لم أتصرف بكبر وغطرسة
أنا لم أخرب المباني الدينية

الماعت هى التناغم الكوني. هى الإلهة بلا معبد أو كهنة.

كاهن ماعت لقب يُطلق بغرض التكريم على أولئك المشتغلين بالوظائف القضائية ممن يصدروا الأحكام نيابة عنها.

عبادة ماعت الوحيدة بالنسبة للشعب ليس سوى أن يراعوا ضمائرهم. وبالنسبة للملك ذبيحة يقدمها عند اعتلائه العرش، طلبًا لحفظ التناغم الإلهي في حكمه. وهي الأساس الذي بُنى عليه المجتمع المصري كما تصفها عالمة المصريات جيرالدين بينش.

وهي وحدها ما يحتكم إليها المصري في حكمه الأخلاقي إلى اليوم.

تدرك ذلك وأنت تسمعه يقول “ربك رب قلوب” حين تتشابه عليه النصوص الدينية، بالأخص تلك التي لا تتوافق وفطرته السليمة.

تدركه وهو يقول “ربنا هيحاسبني قدام ضميري” في وصفه اللا واعي الموجز والبليغ لمحكمة الموتى.

لكن “اللي على راسه بطحة” لا يعجبه أن قلوب المصريين لا تزال عامرة بـ “اللي على راسها ريشة”.

1617498096515

الحب في مصر القديمة | عرفوا زواج التجربة ونقشوا صور الجنس على الجدران | الحكاية في دقائق

على دين آبائه بفطرته

حورس وست يتحاربان كل صباح. رع وآپپ يتناحران كل مساء، منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا. وعلى اختلاف أدوارها تسهر آلهة مصر جميعها على شئ واحد: الحفاظ على الماعت..

هذا شق آخر من الصراع بين “اللي على راسها ريشة” و”اللي على راسه بطحة”.. حرب النظام على الفوضى.. حرب الماعت..

ستميز المنتصر عن المهزوم بسهولة حالما تتذكر أن البقعة التي شهدت الموكب المهيب، سبق وشهدت قبل بضع سنوات فقط ما يسمى بـ “جمعة قندهار”، بغض النظر عن أي دلائل أخرى.

Image

على دين آبائه بفطرته

لو حاولت وصف الشعور الذي أيقظه الحفل فيك، لن تجد على الأرجح أدق من كلمة “الخشوع” بمعناها الديني. عالم الأحياء البريطاني “ريشارد دوكنز”، المعروف للجمهور بكونه أشهر دعاة الإلحاد، لم يتردد في التصريح بأنه اختبر بالكاد “شعورًا دينيًا”.

Image

لعبة الخلود التي احترفها المصري القديم لم تتوقف إذن عند خلود الصروح وحتى الأبدان، وإنما امتدت لخلود الروح المصرية ذاتها. تلك الروح التي استدعاها الفنان المصري مرهف الحس “هشام نزيه” بسهولة في لحنه لترنمية “مهابة إيزيس”، وأوركسترا العبقري “نادر العباسي”، وكل مصري ومصرية مسته روح الأجداد وهو يشارك في الحدث المهيب.

كل شئ مُعَد.. وعلى حاله منذ القديم.. وكأن ما كان ينقصه سوى الطقوس.

“انهض، فلن تفنى. لقد نوديت باسمك. لقد بعثت”.

في البدء كانت الزراعة ثم البيت الأبيض | كيف بنت مصر القديمة أقدم دولة في التاريخ؟ | مصطفى ماهر

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك