الإفلاس بشكل عام هو عدم قدرة المؤسسات المالية على سداد التزاماتها في مواعيدها المحددة بسبب أزمة في السيولة قد تكون تعرضت لها مسبقًا أو بسبب إحدى الأزمات الكبرى التي تضرب الاقتصاد.
مثلًا: عندما يشهر بنك ما إفلاسه فهذا يعني أنه عاجز عن تأمين السيولة اللازمة لسداد أصول الودائع وفوائدها للمودعين في حال تهافتهم على السحب، بالتزامن مع عجزه عن تحصيل استحقاقات القروض وفوائدها التي منحها للعملاء لتمويل الأنشطة المختلفة. هنا يعلن البنك إفلاسه ويطلق على هذه الحالة Bankruptcy.
أما إفلاس الدول فهو أكثر تعقيدًا؛ فالدول لا تُفلس كما هو الحال في المؤسسات المالية بل تعجز عن سداد ديونها، ويطلق على هذه الحالة العجز السيادي Sovereign Default؛ إذ لا يجيز القانون الدولي لأي هيئة في أي حال من الأحول وضع يدها على ممتلكات الدول وبيعها لسداد مستحقات الدائنين، لما تتمتع به الدول من سيادة يحرم التعدي عليها.
وحتى الآن، لا يوجد أسلوب محدد تتبعه الدول لإدارة الخروج من الإفلاس، وتختلف المواقف والأساليب المعتمدة لمواجهة الإفلاس عندما يقع بين دولة وأخرى.
لكن الدول تتبع بعض الإجراءات المالية الطارئة الشائعة، مثل إغلاق المصارف مؤقتًا، وبدء مفاوضات مع الدائنين، مباشرة أو عبر راعٍ وسيط، مثل نادي باريس أو صندوق النقد الدولي.
يترتب على إعلان إفلاس الدول تبعات إقتصادية ومالية وخيمة:
يتدهور التصنيف الائتماني للبلد المعني، وتتزعزع ثقة الدائنين في اقتصاده، وتجد الحكومة صعوبة بالغة في الحصول على التمويل مجددًا من المؤسسات المالية الدولية والمصارف العالمية وأسواق الأوراق المالية في المستقبل، فضلًا عن تراجع قدرة البلد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
هناك سوابق متعددة لإفلاس الدول في القرنين الماضيين، حيث أشهرت حوالي 83 دولة إفلاسها بسبب تخلفها عن دفع التزامات ناجمة عن ديون داخلية وخارجية.
اليونان من أشهر حالات الأزمات المالية للدول في الفترة القريبة، فيما يطلق عليه أزمة الدين الحكومي اليوناني، وهي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني في أبريل/ نيسان 2010، حين طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضًا لمساعدة اليونان.
اقتصاد الأرجنتين هو الثالث بين أكبر اقتصادات أمريكا اللاتينية، والرابع بين اقتصادات نصف الأرض الجنوبي، إلا أن الاقتصاد الأرجنتيني لا زال حتى الآن يحاول النهوض بعد الأزمة التي تعرض لها في 2001.
شهدت الأرجنتين أزمة اقتصادية شهيرة عام 2001 عُرفت بأزمة إفلاس الأرجنتين. صاحب تلك الأزمة اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية ضخمة، بعدما وصلت المديونية الخارجية لحكومة الأرجنتين إلى حوالي 132 مليار دولار، ومن ثم عجزت بعض الإدارات عن دفع رواتب العاملين، واستحوذت الحكومة على صناديق المعاشات الخاصة لدفع فوائد الديون الأجنبية، وفرضت قيودًا على سحب الأموال من البنوك، ليصبح الحد الأقصى 250 دولارًا في الأسبوع، ما أدى إلى حالة هلع بين المواطنين الذين تجمهروا أمام البنوك وماكينات الصرف لسحب مدخراتهم.
عادت الأزمة مجددًا في 2014، حين عجزت الأرجنتين عن سداد ديونها، ثم فشلت المحادثات بين الحكومة الأرجنتينية ومجموعة من حاملي السندات في نيويورك بهدف تجنيب البلاد الغرق فى الديون، وعلى ذلك خفضت وكالة التصنيف الائتماني “Credit Rating Agency” تصنيف الأرجنتين إلى وضعية “تخلف السداد”، بما تسبب في تراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأرجنتيني وفاقم أزمة الديون مجددًا.
وفي 2015، ومع وصول الرئيس ماوريسيو ماكري لسدة الحكم، وضع خطة للنهوض بالاقتصاد الأرجنتيني عبر برنامج إصلاح تدريجي يقوم على سياسة حمائية للتعامل مع أزمة تفاقم الديون الداخلية والخارجية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
بدأت إصلاحات ماكري بالتركيز على إلغاء القيود على صرف العملات الأجنبية بعدما تسبب تثبيت سعر الصرف إلى خلق سوء سوداء كبيرة للدولار الأمريكي بما أدى لأثار كارثية على العملة الآرجنتينية، وزيادة هائلة في معدلات التضخم التي وصلت إلى حوالى 40%.
غرقت الأرجنتين في أزمتين ماليتين في 2018، أدتا إلى خسارة العملة 50% من قيمتها، فدعت صندوق النقد لإنقاذها.
في يونيو 2018، طلبت الأرجنتين قرضًا من صندوق النقد بقيمة 50 مليار دولار، فطالبها الصندوق بخفض العجز المالي الهائل، فعاودت الطلب في 2019، مع طلب 6 مليارات إضافية ودفعات معجلة مقابل شروط أقسى.
وفي الأيام الأخيرة، عادت أزمة الاقتصاد الأرجنتيي للتفاقم، خاصة بعد هزيمة الرئيس ماكري في الانتخابات التمهيدية لانتخابات الرئاسة المقررة الشهر المقبل، تلتها استقالة وزير المالية نيكولاس دوخفون هذا الشهر، بعدما خسرت البورصة خلاله أكثر من 30% من قيمتها، وتراجع سعرالبيزو بأكثر من 20% خلال أسبوع واحد، مما أثار التساؤلات مرة أخرى حول عودة شبح الإفلاس مجددًا في 2020.