تأييد متزايد في ولايات ألمانيا لفرض ضريبة المساجد. “مسار محتمل”، تقول الحكومة الألمانية ردًا على استفتسار برلماني بشأن إمكانية إقرار الضريبة التي طرحت كفكرة خارج السياق قبل عدة أشهر.
الضريبة ستكون مماثلة تمامًا لنظيرتها المطبقة في الكنائس، والهدف الأهم سيكون القضاء على التمويل الخارجي في ألمانيا تحت ستار المراكز الإسلامية.
تركيا لعبت دورًا مهمًا في دفع الحكومة الألمانية للتفكير في القرار. وبعيدًا عن المتورطين في التمويل الأجنبي، يفترض أن تكون الفكرة مفيدة للجاليات المسلمة.
فما هي ضريبة المساجد في ألمانيا؟ كيف بدأت الفكرة؟ ما أهميتها؟ وما دور تركيا في الأمر؟ جمعنا تفاصيل الملف، ولخصناها لكم عبر:
تشير ضريبة المساجد إلى تشريع محتمل يجري إعداده في ألمانيا مماثل للضريبة ذاتها المفروضة في الكنائس.
وضريبة الكنائس المطبقة حاليًا في ألمانيا هي ضريبة تفرض على أعضاء بعض الطوائف الدينية، تجمعها مصلحة الضرائب كنسبة ثابتة من ضريبة الدخل لتمويل الأنشطة الكنسية، وتتفاوت قيمتها من ولاية إلى أخرى.
وتجمع الدولة الألمانية ضريبة الكنائس من أتباعها طواعية، بناء على تسجيل المواطنين لأنفسهم في كنيسة معينة، ليدفع لها ضريبة في إطار الاستقطاعات الضريبية مع الراتب الشهري أو مع تصفية الحسابات السنوية مع دائرة الضرائب.
المشروع الذي سيتم فرضه على المسلمين الذين تتراوح تقديرات أعدادهم في ألمانيا بحدود 5 ملايين، في حال تطبيقه، سيسهم في تمويل نشاط المؤسسات الدينية للمساجد والمراكز الإسلامية.
وتعتمد المساجد في ألمانيا حاليًا على التبرعات والمنح، ما يثير مخاوف من احتمال تلقيها دعمًا من منظمات خارجية وحكومات أجنبية، ما يغذي الشكوك بشأن احتمال استغلالها في الترويج لأيديولوجيات متطرفة.
عضو الائتلاف الحاكم في ألمانيا، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي بقيادة أنجيلا ميركل، تورستن فراي، يعتبر ضريبة المساجد خطوة مهمة لتحريرها من التأثيرات الخارجية، وضمان توجيهها داخليًا وفق ضرورات الحياة الاجتماعية داخل المجتمع الألماني.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، شهدت مؤتمر الإسلام الألماني الذي تشرف عليه تقليديًا وزارة الداخلية، نقاشات بين جمعيات وروابط إسلامية محافظة ومعتدلة وليبرالية، بخصوص تمويل المساجد.
وفي كلمته الافتتاحية، طالب وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر المسلمين في ألمانيا بحل ارتباطهم بالتأثير الأجنبي، ووعد بدعم الجالية المسلمة ومؤسساتها ماديًا ومعنويًا فيما يخص الاندماج مقابل استقلاليتها ومنع تأثير الخارج عليها.
وفي ديسمبر/ كانون الأول، اقترحت المحامية سيران أطيش، مؤسسة مسجد ابن رشد ـ غوته في برلين، فكرة فرض ضرائب على المسلمين من رواد المساجد، على غرار ضريبة الكنائس للمسيحيين، بهدف ضمان تمويل داخلي للمساجد في المدن الألمانية، بدلًا من التمويل الخارجي للكثير منها عبر دول خارجية، مثل تركيا، أو عبر مؤسسات تابعة لدول أخرى.
أطيش قالت إن كل ما تحتاجه المساجد من الممكن تدبيره في المستقبل من الأعضاء أنفسهم.
الفكرة وجدت دعمًا متزايدًا في ولايات ألمانيا؛ سعيًا لتقليل اعتماد المؤسسات الإسلامية على مصادر التمويل الأجنبي الراديكالية أو المعادية للديمقراطية، ليعلن مشرعون ألمان، ينتمون إلى الحكومة الائتلافية، دراسة طرح قانون ضريبة المساجد على المسلمين الألمان.
حصول المساجد على أموال ومساعدات من الدولة حتى الآن يقتصر في حالات تمويل مشروعات معينة، مثل دعم اندماج اللاجئين المسلمين في المجتمع أو إبعاد الشباب السلفي عن التيار المتطرف.
ومن المتوقع أن يأخذ ملف تمويل المساجد بعدًا أوسع في النقاش السياسي في المستقبل في إطار مكافحة التطرف والإرهاب الإسلاموي وتحجيم الإسلام السياسي في التأثير على حياة المسلمين في ألمانيا وأوروبا.
النقاش فتح بابًا آخر لمسلمي ألمانيا، عبر مشروعات قرارات برلمانية تطالب الحكومة الاتحادية بدراسة وفحص برنامج تعليمي لإعداد أئمة المساجد في ألمانيا بدلا من استيرادهم من الخارج.
البرنامج الخاضع للدراسة يشرك رجال الدين المسلمين والروابط الإسلامية في إعداده. ويتناغم مع واقع المجتمع الألماني، ويفترض أن يشرك الحكومة الاتحادية في تمويله وتحديد معاشات أئمة المساجد الذين يتدربون في ألمانيا.
ينس شبان، عضو مجلس رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، يقول إن أهمية قضية الاندماج لألمانيا توجب على الأقل المشاركة في تمويل تكوين الأئمة وإقامة بنية لإسلام ألماني أو أوروبي بأموال الضرائب.
المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا يقول إنه لا صعوبة في التعامل مع الفكرة بإيجابية، إلا مع اختلاف بسيط في تسمية الضريبة.
عبد الصمد اليزيدي، أمين عام المجلس الأعلى يقول إن تسمية ضريبة المساجد قد لا تجد قبولًا لدى المسلمين، مقترحًا تغيير المسمى إلى “زكاة المساجد” كي تجد رواجًا وقبولًا أوسع.
يطالب اليزيدي أيضًا أن تكون ضريبة المساجد، أو “الزكاة” وفق مسماه المقترح، طواعية وغير إجبارية على المسلمين.
ويؤكد اليزيدي أن المجلس دعا قبل سنوات عديدة إلى ضمان تمويل داخلي للمساجد في ألمانيا تحت إشراف الدولة الألمانية، إلا أن المسؤولين تجاهلوا الأمر.
بالمقابل، يواجه أعضاء الاتحاد اتهامات رسمية بالتجسس على المنشقين الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا.
ويواجه الاتحاد اتهامات بالتبعية المباشرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويصفه الساسة الألمان بـ “ذراع أردوغان الممتد في مساجد وفصول ألمانيا”.
وفي 2016، قررت ولاية شمال الراين فستفاليا إيقاف التعاون مع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في ألمانيا بعد سلسلة من اتهامات للاتحاد بامتلاك صلة وثيقة بحكومة أنقرة.
وفي أوج خلاف مرير بين ألمانيا وتركيا في منتصف 2017، حذر وزيران ألمانيان من أن “أيديولوجيات أردوغان الخطيرة يجب ألا يتم استيرادها إلى ألمانيا عبر بعض المساجد”.
وفي حالات أخرى، تعرضت بعض المساجد لتدقيق شرطي، وبعضها تعرض للإغلاق؛ بعد تورطها في الترويج لأفكار إسلامية متطرفة ومتشددة.
أمين عام المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا يقول إن الجهات الألمانية كانت سعيدة لعقود بتولي الحكومة التركية مسؤولية الإشراف والتمويل للمساجد وأئمتها، لكن تدهور العلاقات بين البلدين كشف مشكلة تأثير التمويل الخارجي.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أثار أردوغان جدلًا واسعًا بافتتاح واحد من أكبر المساجد الأوروبية بمدينة كولون الألمانية، وسط الخلافات المستمرة بين البلدين منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا 2016.