لسنوات طويلة، عمل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني كذراع بلاده الطولى لتسيير أحوال المنطقة كما يريد المرشد الأعلى في طهران..
من عاصمة إلى أخرى تنقل سرًا لتطوير عمل الوكلاء ضمن مخطط توسعي يهدف لاستكمال الهلال الشيعي وربما ما وراءه. لم يبال بمآسي الآلاف في العراق ولبنان واليمن وسوريا. الدول الأربع التي تباهى بأن عواصمها تدار من طهران.
لكن قائد الظل أراد لنفسه أن يعمل في النور.. شعر في أيامه الأخيرة أنه بات قويًا بما لا يكفي كي لا تجرؤ قوة على ردعه؛ حتى أمريكا وإسرائيل لم يقدما على الخطوة رغم تتبعه لسنوات، فتجول بأريحية بين العراق وسوريا ولبنان.
فمتى بدأت قصة قاسم سليماني؟ كيف أدار سليماني كل هذه التعقيدات؟ كيف اغتالته أمريكا؟ وكيف تأثرت إيران؟
نظرة أعمق في دقائق
لا نعرف الكثير عن نشأة قاسم سليماني.. ابن الفلاح متواضع الأصول الذي أثقلته الديون، فاشتغل بأعمال متواضعة، حتى اندلعت ثورة الخميني.
سطع نجمه لأول مرة في الحرب العراقية الإيرانية باعتباره القائد الباكي الصغير، المنتصر على الموت المحقق في هجوم صدام الكيماوي. لكن خلافاته مع رفسنجاني عطلت مسيرته لسنوات، حتى صعد به خامنئي.
منذ ذلك الحين، بدأت المهمة: تمهيد الأرض لـ “جيش شيعي عالمي” في تطبيق عملي لفكرة طورها الخميني ووضعها بين المواد الأساسية في الدستور الإيراني تحت بند “مساعدة المستضعفين”.
مهمة قاسم سليماني كانت بين الأهم في ترتيب أولويات النظام الإيراني.. قيادة وكلاء طهران وتوظيفهم وتوزيع أدوارهم. لكن دوره الأبرز كان في العراق التي عاد إليها وكأنه ينتقم من الموت الذي كاد يطاله على أيدي رئيسها السابق صدام حسين.
لكن دوره لم يقتصر على العراق بالتأكيد. امتد حتى إلى مصر، عبر تنسيق لم ير النور مع الإخوان لإدارة مرحلة ما بعد سقوط محمد مرسي.. والهدف: العدو المشترك، الذي لم يكن إلا السعودية.
وقبل وفاته مباشرة، كان قاسم سليماني طرفًا أصيلًا في معركة إقليمية واسعة بين طهران وأعدائها، امتدت عبر كل الساحات التي تولى إدارتها تقريبًا.. معركة الدرونز العابرة للحدود.
لهذا السبب، وضعت وزارة الدفاع الإسرائيلية قاسم سليماني على رأس قائمتها للمطلوب التخلص منهم.. لكن الولايات المتحدة تولت التنفيذ، عبر خيانة في فيلا بغداد، وسلاح تحرك من قاعدة في قطر.. نفس السلاح الذي حاول سليماني تطويعه لخدمة طهران.. الدرونز.
ما بعد اغتيال قاسم سليماني لم يكن كما كان قبله. موازين الصراع في المنطقة تغيرت. إيران فشلت في الانتقام.. حاولت اللعب بالشطرنج فلعب ترامب بالطاولة. أدخلت السلاح السيبراني إلى معادلة الانتقام، لكن النتيجة أنها فقدت أهم أسلحتها، سلاح الوقاحة، والتهديد، ليواجه النظام نفسه تهديدًا لوجوده.