علميًا، لا تهتم الأوساط العلمية بتدريس أو اعتماد نظرية الخلق أو التصميم الذكي، لكن الأمر يختلف في أوساط العامة.
تميل تلك الأوساط للتعرض لنظرية التطور بالتشكيك والهجوم، بحجج ناتجة عن سوء فهم للعلم والأدلة التطورية والدراسات التي تحققت من النظرية عمليًا.
“لا شيء يبدو منطقيًّا في علم الأحياء، إلاّ في ضوء التطور”، يقول عالم الوراثة ثيودوسيوس دوبجانسكي.
لا نستطيع مشاهدة لعبة رياضية لأول مرة دون فهم قواعدها، وستظل لغزًا كبيرًا حتى فهم بديهياتها، لتصبح محط إعجاب وتقدير.
المثل السابق ينطبق تمامًا على نظرية التطور، التي ظُلمت كثيرًا بسبب قصور الفهم والمعتقدات الخاطئة التي أحاطها البعض بها.
التطور، بطريقة سريعة ومباشرة، هو التغيرات التي تسمح للأحياء بالتكيف في بيئتها لتساعد على نجاتها وحصولها على ذرية أكثر.
في هذه المقالة، التي سيكون لها جزء آخر، نستعرض أشهر تلك المغالطات عن النظرية.
اقرأ أيضا: نظرية داروين .. يوم أن أدرك الإنسان علة وجوده
التطور مجرد نظرية. ليس حقيقة أو حتى قانونا علميا
لنفرق أولًا بين مصطلحات القانون العلمي، والحقيقة، والنظرية.
القانون العلمي: من أمثلته المعادلة الفيزيائية الشهيرة E = mc²
الحقيقة: هي الظاهرة التي تثبت بالتجربة والدليل والملاحظة.
النظرية العلمية: وفقًا لـ”الأكاديمية الوطنية للعلوم“، هي “تفسير موثق جيدًا لبعض جوانب العلم الطبيعي التي يمكن أن تتضمن الحقائق والقوانين والاستدلالات والفرضيات التي تم اختبارها”.
لا يقصد العلماء بـ”النظرية” التشكيك أو التحفظ حول حقيقتها، لكنهم يعنون أن بداخلها تفاصيل وآراء عن موضوعات تحمل عدة تفسيرات، كلها مدعوم بحقائق أو استدلالات.
يمكننا القول إذًا أن حقيقة الجاذبية تفسرها نظرية النسبية العامة للفيزيائي الشهير ألبيرت أينشتاين.
بنفس الطريقة، فإن حقيقة التطور تفسرها نظرية التطور التي وضع أسسها تشارلز داروين في كتابه “أصل الأنواع”.
التطور غير علمي لأنه غير قابل للاختبار. لا يمكننا ملاحظة فصيلة تتطور أو تتغير للتكيف مع البيئة، كما أن التطور يشرح أحداث بالماضي ولا يمكن تكرارها
هناك دائما ارتباط وثيق بين النظرية و”التجربة والاختبار”، النظرية دوما تخضع للتجربة والاختبار كما يمكن التخمين بالنتائج بناء على حقائق وفرضيات تلك النظرية.
كيف يمكننا أن نختبر التطور؟
تم سؤال عالم الأحياء جون هولدين هل يمكننا أن نجد دليلا يسقط نظرية التطور؟ فكان جوابه الشهير “لو وجدنا أحفورة أرنب مثلاً في العصر الكمبري“.
المقصد هنا أن نظرية التطور فسرت الارتباط بين الفصائل. وأن الحفريات تؤكد ذلك الترابط دوما. لذلك التطور قابل للاختبار وهو يفسر ويربط أحداث الماضي بكل دقة وترابط.
أما عن قابلية النظرية للملاحظة، فطرح غير علمي، كون التطور يجري عبر آلاف السنين، واستنتجناه من الحفريات والسجل الأحفوري، ما يستحيل معه الاختبار على مستوى جيل أو حتى عدة أجيال.
اقرأ أيضا: “أفكار تعلمتها من “نظرية التطور
من العبارات الأساسية واللامعة في نظرية التطور ” البقاء للأصلح” بحيث الأصلح هم من يظلون على قيد الحياة. إذن كل من هو علي قيد الحياة الآن هم الأصلح؟
تعتمد تلك المغالطة على مفهوم “البرهان المغلق”، وهو منطق دائري يتشبث أصحابه برأيهم دون النظر لجوانب الموضوع الأخرى.
الحقيقة أن “البقاء للأصلح” عبارة مبسطة لتوضيح مفهوم “الانتخاب الطبيعي”، لنشرح إذًا بتجربة حية أجراها بيتر وروزماري جرانت من جامعة برنستون الأمريكية.
التجربة راقبت نوعين من طيور “الفينش” -تسمى أيضًا بـ”عصافير داروين” أحدهما بطئ وبمنقار عريض، والثاني سريع وبمنقار رفيع.
ترك العالمان النوعين على جزيرة جالاباجوس، ليتمكن الأول من إيجاد طعامه بتحطيم البذور بمنقاره العريض، ويفشل الثاني رغم سرعته وقوته في أداء نفس المهمة.
الخلاصة أن الذي يحدد بقاء أي كائن هو ظروف تكيفه مع بيئته. الأصلح هنا نجح في الظروف الحالية. ربما يفشل في المواصلة في ظروف آخرى.
التطور لا يُفسّر كيف ظهرت الحياة على الأرض!
لم يدعِ عالم، وحتى داروين نفسه، أن النظرية فسرت أصل الحياة، لكن العلم وضع أساس الكيمياء الخلوية بكشف كيفية تكون الأحماض الأمينية البدائية وتكاثرها ذاتيًا.
وضعت بعض الاقتراحات عن أصل تلك الأحماض، بينها احتمال غير مؤكد عن تكونها في الفضاء ووصولها للأرض عن طريق المذنبات.
ربما يفسر التأكد من تلك المعلومة كيفية ظهور الحياة علي الأرض، لكن نظرية التطور نفسها لم تدعِ تفسير ذلك.
نظرية التطور معنية أكثر بالآلية التي انحدرت منها الفصائل وكيف تنوعت تلك الحياة على الأرض، لكن محاولة اتهامها بالعجز لا يتخطى كونه تجنيا عليها.
تكون شكل للحياة مختلف عن طريق الصدفة أمر مستحيل، فكيف مع بروتينات معقدة وتكون خلايا جديدة في كائن حي! هذا أمر مستحيل حدوثه وغير منطقي
بالطبع للصدفة دورها، لكنها خاضعة لقوانين شرحتها نظرية التطور تحت اسم “الطفرات العشوائية”.
والطفرات هي التغيرات الحاصلة في تسلسل الحمض النووي، وهي المصدر الأساسي للتنوع الذي نراه في جميع الكائنات الحية.
مع ذلك، لا يعتمد التطور في آلية العلم على الطفرات العشوائية، حيث يمثل الانتخاب الطبيعي الآلية الأساسية المعروفة للتطور.
ويواجه الانتخاب الطبيعي الطفرات العشوائية أحيانًا بغرض تطور الفصيلة في صالحها؛ بانتقاء الصفات الجيدة لزيادة فرصة الفصيلة على البقاء.
لا يحدث هذا صدفة.. ربما يحدث عشوائيًا داخل كل فصيلة حسب ظروف البيئة المحيطة، لكنه يخضع لآليات وفرضيات وضعتها النظرية حسب كل فصيلة.
فهم تلك الآلية لا يجعل لكلمتي المستحيل والصدفة وجودًا عند مناقشة نظرية التطور.
ولنا جزء آخر سنفند فيه مغالطات أخرى نظرية التطور.