في الأشهر الأولى من 2018، توعد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بالانتقام من "أعداء الجمهورية الإسلامية" المتهمين بتدبير احتجاجات ديسمبر 2017 التي اندلعت في أكثر من 100 مدينة إيرانية، وخصوصًا مجاهدي خلق، العنصر الرئيسي في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.. وهنا بدأ العملاء الاستخباراتيون في التحرك
أسد الله أسدي، الدبلوماسي في سفارة إيران في فيينا، والذي يعتقد أنه على صلة بأجهزة الاستخبارات في طهران تحرك سريعًا لتنفيذ وعيد المرشد الأعلى. هو دبلوماسي عمل سابقًا في العراق، ويملك خبرة كافية في التعامل مع المتفجرات.
بدأ فورًا رحلات متتالية بين فيينا وطهران، ونجح في اختيار العميلين الذين سيتوليان التنفيذ - الزوج أمير سعدوني، 40 عامًا، الذي حصل على اللجوء السياسي في بلجيكا منذ 10 سنوات تقريبًا بسبب انتمائه لمجاهدي خلق، وزوجته نسيمة نعامي، 36 عامًا، واللذين التقيا على الإنترنت حين كانت موجودة في طهران، ثم تزوجها واستقدمها إلى بلجيكا.
اتصل أسدي بسعدوني باعتباره باحثا يحاول جمع معلومات عن مجاهدي خلق. التقاه في ميونيخ، وهناك عرف نفسه باسم "دانيال" الذي يعمل لصالح المخابرات الإيرانية.
تحت إغراء المال الذي كان كافيًا ليعيش الزوجان حياة مريحة، وصل لـ 4,000 يورو في كل مقابلة، تعددت مقابلات الرجلين. من سالزبورج إلى فيينا، إلى ميلانو والبندقية، إلى لوكسمبورج.
وفي مارس 2018، أثناء لقاء مع سعدوني في قطار بين فيينا وسالزبورج، تحدث الأسدي عن تجمع للمعارضة الإيرانية في باريس. أخبر سعدوني أنه يريد أن يفعل شيئًا هناك، لكنه سيناقش الأمر أولًا مع القيادة في طهران، لاختبار القنبلة، التي يحملها في حقيبته الدبلوماسية.
قبل أيام من العملية، اجتمع الزوجان مع أسد في أحد مطاعم بيتزا هت في لوكسمبورج القديمة في بلجيكا، وهناك سلمهما طردًا صغيرًا، وضعته الزوجة في حقيبة يدها، قبل أن يعودا إلى سيارتهما المرسيدس الرمادية المتوقفة خارج المطعم.
الطرد كان يحوي 11,710 يورو، وأكثر من رطل من مادة TATP، ثلاثي أكسيد ثلاثي الأسيتون، وهو متفجر قوي شائع لدى الإرهابيين لأنه يصعب اكتشافه.
والمبلغ كان دفعة أولية مقابل تنفيذ عملية إرهابية سيستخدم فيها الزوجان المادة المتفجرة لتنفيذ العملية.
كان المطلوب من الزوجين زرع القنبلة في تجمع للمعارضة الإيرانية ستسضيفة العاصمة الفرنسية باريس في 30 يونيو 2018.
قائمة المدعومين تشمل ضيوفًا أجانب مهمين، بينهم سياسيون أمريكيون وبريطانيون، وعلى رأسهم رودي جولياني، محامي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبيل ريتشاردسون، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة. ووزيرة البيئة البريطانية السابقة تيريزا فيليرز، بخلاف الآلاف من معارضي النظام الإيراني في الخارج، وعلى رأسهم مريم رجوي، رئيس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
ما لم يدر ببال أسدي وشريكيه أن عدة أجهزة أمن واستخبارات أوروبية كانت تراقب تحركاتهم بين بلجيكا وفرنسا وألمانيا، وأن جهازًا شريكًا - يعتقد أنه الموساد - أخبر نظراءه الأوروبيين أن الزوجين على وشك تنفيذ عملية في فرنسا، قبل ثلاثة أيام من اجتماعهما الأخير مع أسدي.
انتظرت الأجهزة البلجيكية حتى يوم الهجوم المخطط له، قبل أن تعتقل الزوجين في سانت بيير، شرقي بروكسل، ومعهما القنبلة، التي كانت ملفوفة بالبلاستيك، ومخبأة في بطانة حقيبة أدوات التجميل، وجهاز التشغيل الذي أخفته نعامي بين أدواتها النسائية في حقيبة صغيرة أخرى داخل حقيبة يدها بنية اللون.
في اليوم التالي، ألقت السلطات الألمانية القبض على أسد الله أسدي بينما يقود سيارته إلى النمسا. وفي سيارته، عثرت السلطات على دفتر ملاحظات أحمر يحتوي على تعليمات للمفجرين، حول كيفية تفعيل وتفجير القنبلة، وكيف يجب أن يتصرف الزوجان بعد الهجوم.
سعدوني ونعامي اعترفا باستلام الطرد، لكنهما نفيا معرفتهما بأنه يحوي قنبلة. سعدوني قال للشرطة: "لم يكن لدي أي فكرة عن أنني تلقيت متفجرات. اعتقدت أنها مجرد عبوة تسبب الكثير من الضوضاء بما يكفي لفض التجمع".
لكن سجلات الهاتف المحمول أظهرت أن أسدي أرسل رسالة نصية للزوجين في وقت لاحق من ذلك اليوم للتأكد من أنهما اتبعا التعليمات المتعلقة بالجهاز، والتي أشار إليه باسم "بلاي ستيشن"، فأجابوا بأن كل شيء يسير بشكل جيد.
رفض وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، تأكيد المؤامرة، ووصفها بأنها "مجرد عملية زائفة نسجها من يحاولون دق إسفين بين طهران والغرب"، في وقت كانت فيه أوروبا على خلاف مع الإدارة الأمريكية بشأن قرار ترامب في 2018 بالانسحاب من اتفاق إيران النووي.
طهران وصفت اعتقال أسدي بغير القانوني، وقالت إنها تحتفظ بحق الرد المناسب ضد الدول المعنية.
خلال الاستجواب في مارس، قال أسدي للشرطة البلجيكية إن الجماعات المسلحة في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وكذلك في إيران، تنتظر نتيجة قضيته.
وردًا على سؤال حول تهديد الأسدي، قال متحدث باسم المدعي الفيدرالي البلجيكي: "يمكن أن تحدث مثل هذه التهديدات، لكننا نتخذ دائمًا الإجراءات الأمنية اللازمة".
محامي الدبلوماسي الإيراني، ديميتري دي بيكو، نفى أن يكون موكله واجه أي تهديدات، وقال لرويترز "هذا ليس تهديدًا بالانتقام على الإطلاق، وإذا فُهم بهذه الطريقة فإنه سوء تفسير.