فتحت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة الاتحادية الألمانية تحقيقًا حول هجوم نفذه ثلاثة ملثمين على معارض إيراني، ٤٧ عامًا، وأسفر عن جروح طفيفة. المعارض قال في بلاغ رسمي إلى الشرطة الألمانية أنه تلقى قبل الاعتداء تهديدات هاتفية من أشخاص يتحدثون اللغة الفارسية.
جروح الهجوم طفيفة، لكن أهميته السياسية الكبيرة منبعها السياق الذي حدث فيه .. هذا ما نقدمه في س/ج في دقائق.
وقع هجوم برلين قبل يوم واحد من إطلاق ألمانيا، رفقة فرنسا وبريطانيا، أداة دعم التبادلات التجارية مع إيران – “إينستكس”.
الآلية الأوروبية الجديدة تستهدف تسهيل التجارة مع إيران دون استخدام الدولار؛ للالتفاف على الإجراءات العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة بعد قرار الرئيس دونالد ترامب في مايو/ أيار بالانسحاب من اتفاق 2015 النووي.
وإذا ثبت أن عناصر على صلة الحكومة الإيرانية متورطة في الهجوم، فقد ينتج مزيدًا من الضغط على علاقات إيران مع الاتحاد الأوروبي.
بدأت العمليات فور تأسيس الجمهورية الإسلامية، واستهدفت أفرادًا اتهمتهم طهران بالعمل ضد مصالح النظام الجديد.
وطوال عقود، كانت طهران ترسل عملاءها إلى أوروبا لتنفيذ عمليات اغتيال والقيام بأعمال إرهابية، بخلاف تلك التي تورط فيها حزب الله.
وبين 1979 و1994، اتهمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إيران بتدبير عمليات اغتيال استهدفت 60 معارضًا ومنشقًا في ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وسويسرا وتركيا.
وفي العديد من الحالات، شارك أعضاء حزب الله كخبراء لوجستيين أو مسلحين في المخططات. الإنفوجرافيكس التالية تقدم ملخصا لهجمات إيران على معارضيها.
خلال موجة الاغتيالات الأولى، أعلنت كيانات مسلحة على علاقة بإيران أو حزب الله مسؤوليتها عن العمليات، ووصفتها الحكومة الإيرانية بـ “الإعدام الثوري”.
بدءًا من عام 1989، التزمت طهران الصمت بخصوص عمليات الاغتيال. المنفذون اكتفوا بترك قبعات بيسبول زرقاء في أحضان ضحايا عدة عمليات، بما كشف ترابطها. وفشلت المخابرات الإيرانية في إخفاء تورطها في إحداها.
في عملية اغتيال كاظم رجوي، كشف تقرير قاضي التحقيق السويسري، أدلة على تورط إيران المباشر؛ حيث دخل جميع المشتبه بهم البلاد بتذاكر متسلسلة على متن الخطوط الجوية الإيرانية بجوازات إيرانية رسمية، صدرت في طهران في اليوم نفسه وبالعنوان نفسه، الذي تبين لاحقًا أنه مبنى تابع لوزارة الاستخبارات.
وبين 1982 و1992، اختطف حزب الله مواطنين فرنسيين في لبنان للضغط باتجاه إطلاق سراح أنيس النقاش، الذي اعتقلته السلطات الفرنسية إثر تورطه في اغتيال فاشل استهدف رئيس الوزراء الإيراني السابق شابور بختيار في يوليو/ تموز 1980؛ تنفيذًا لحكم من “المحكمة الثورية الإيرانية” بإعدامه.
عملية مطعم ميكونوس في برلين في سبتمبر/ أيلول 1992 كشفت الكثير عن عمليات إيران في أوروبا
فريتيوف كوبش، رئيس المحكمة الألمانية التي باشرت التحقيقات، استشهد بتصريحات وزير الاستخبارات الإيراني علي فلاحيان قبل شهر واحد من الاعتداء، تفاخر فيها بأن إيران قد تشن ضربات حاسمة ضد معارضيها في الخارج، واعترافه في العام نفسه بأن إيران تراقب المنشقين خارج البلاد، وأنها نجحت العام الماضي في توجيه ضربات أساسية لكبار أعضائهم.
خلال التحقيقات، ظهر المنشق أبو القاسم مصباحي، الذي ادعى مشاركته في تأسيس جهاز الأمن الإيراني، ليقول إن قرار الهجوم صدر عن لجنة عمليات خاصة، تضم الرئيس هاشمي رفسنجاني ووزير الاستخبارات فلاحيان ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي وممثلين عن جهاز الأمن، وعلى الأخص المرشد الأعلى علي خامنئي.
الموقف تغير في السنوات الأخيرة، حيث اعتادت إيران نفي تورطها في عمليات اغتيال معارضيها في أوروبا.
وتقول طهران إن ربطها بتلك الهجمات يستهدف عرقلة جهود أوروبا لإنقاذ خطة العمل المشتركة المشتركة، لا سيما الحزمة الاقتصادية الجديدة. وزير الخارجية محمد جواد ظريف يزعم أن الموساد ربما يكون متورطًا في مثل تلك العمليات.
لسنوات طويلة، لم تتعامل السلطات في أوروبا بحزم مع تورط إيران في هجمات على أراضيها، لكن الاتحاد الأوروبي اتخذ خطوة مهمة في 9 يناير/ كانون الثاني، بإدراج إدارة الأمن الداخلي التابعة لوزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية واثنين من موظفيها على قائمة الإرهاب..
وقالت الدنمارك العام الماضي إنها تشتبه في تنفيذ جهاز مخابرات حكومي إيراني مخطط اغتيال على أراضيها.
هذه إشارة قوية من الاتحاد الأوروبي إلى أننا لن نقبل مثل هذا السلوك في أوروبا – وزير الخارجية الدنماركي أندرسن سامويلسن
واتهمت هولندا إيران بالقيام بعمليتي اغتيال على أراضيها.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، كشفت الأجهزة الأمنية عن مخطط تفجير يستهدف تجمعًا سنويًا لحركة مجاهدي خلق الإيرانية، على مشارف العاصمة الفرنسية، حضره رودي جولياني، محامي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزراء أوروبيون وعرب سابقون.
وألقت ألمانيا القبض على أسد الله أسدي، القنصل في سفارة إيران في فيينا، قبل تسليمه لبلجيكا، التي اعتقلت شخصين من أصول إيرانية عثرت على متفجرات شديدة الفعالية في سيارتهما، كما اعتقل آخر في فرنسا على صلة بمحاولة التفجير.
أسوشيتد برس نقلت عن مسؤولين قضائيين ألمان إن أسدي عضو في جهاز الاستخبارات الإيرانية، وعمله منسقًا للجهاز في أوروبا.
أحد مهام الجهاز الأساسية والتي كان يؤديها أسدي، هي “المراقبة المكثفة ومكافحة الجماعات المعارضة داخل وخارج إيران”، بحسب الوكالة.
وفي ديسمبر الماضي، طردت ألبانيا سفير إيران ودبلوماسيًا آخر “لإضرارهما بأمنها القومي”، بعد التشاور مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
قرار الطرد صدر بعد أشهر من القبض على ناشطين إيرانيين في ألبانيا، كانا يخططان لهجوم على مسكن يضم حوالي ثلاثة آلاف عضو من مجاهدي خلق.
تتواصل سياسة الاغتيالات بينما يُظهر قادة إيران استعدادًا كبيرًا للإبقاء على اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة.
في 23 مايو/ آيار، طلب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أوروبا تقديم ست ضمانات ملموسة، تشمل زيادة واردات الاتحاد الأوروبي للنفط من إيران للتعويض عن العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها.
خامنئي قلق، بحسب معهد بروكنجز، بسبب خسائر إيرادات الصادرات النفطية، خصوصًا في سياق الأزمة الاقتصادية الحادّة في البلاد، بخلاف حاجته إلى الاتحاد الأوروبي لضمان صمود الاتفاقية؛ للتخفيف من حدة الضغط الأمريكي.
في 30 يناير/ كانون الثاني، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن بلاده تواجه أصعب وضع اقتصادي منذ 40 عامًا.
خططوا لفرض أشد الضغوط الاقتصادية على الشعب الإيراني طيلة 40 عامًا، لذلك ينبغي التكاتف لاجتياز هذه المرحلة بشموخ
ومن المرجح أن تتسبب الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في تفاقم أزمة إيران الداخلية.
وتضغط الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي لوقف مساعداته لإيران. وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى، في أغسطس/ آب الماضي، إن وجود قدر أكبر من الأموال في يد آيات الله يعني مزيدًا من الأموال للقيام باغتيالات في الدول الأوروبية.
وفي مايو/ آيار، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إن فيلق القدس الإيراني ينفذ اغتيالات في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، مشيرًا إلى أن واشنطن لن تتساهل مع ما تفعله إيران من خلال حزب الله في أوروبا والدول العربية.
واشنطن بوست نقلت عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وشرق أوسطيين، رفضوا ذكر أسمائهم لحساسية الملف، أن قادة إيران – تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية وعملاء المخابرات الإسرائيلية وعقوبات إدارة ترامب – أعدوا خطط طوارئ لحالة صراع مفتوح تستهدف ضرب خصوم البلاد.
المسؤولون أضافوا أن إيران عينت وحدات ومنظمات مختلفة مهمتها مراقبة شخصيات معارضة، بالإضافة إلى منظمات يهودية وإسرائيلية، في الولايات المتحدة وأوروبا.
أحد المسؤولين الإسرائيليين قال إن الإيرانيين أعدوا “ملفات مستهدفة” لأشخاص وجماعات معينة يمكن أن تهاجمها إيران.
أحد مسؤولي الاستخبارات في الشرق الأوسط، تحدث بشرط حجب اسمه وجنسيته، أشار إلى “زيادة واضحة” في مستوى تحرك الناشطين الإيرانيين في الأشهر الأخيرة، مضيفًا أن الإيرانيين “يعدون أنفسهم لإمكانية حدوث صراع”.