بين شقيقين وثماني شقيقات، نشأ التونسي إبراهيم العيساوي، في منزل متواضع وسط منازل منخفضة الارتفاع، في شارع طينا الترابي، من حي النصر الفقير، في منطقة صناعية بالقرب من ميناء صفاقس. لم يكن جائعًا أو بلا مأوى، لكنه كان فقيرًا مثل كثيرين من سكان المنطقة.
صفاقس لا تبعد أكثر من 130 كم عن جزيرة لامبيدوسا الإيطالية الصغيرة، وتعتبر نقطة انطلاق رئيسية للتونسيين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا.. وككثيرين غيره، كان حلم عبور البحر إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط يدور في عقل العيساوي كثيرًا.
عيساوي تخلى عن تعليمه في المدرسة الثانوية. عمل ميكانيكي دراجات، قبل أن يبدأ مشروعًا على جانب الطريق لبيع كميات صغيرة من البنزين لسائقي السيارات. أدمن شرب المواد الكحولية وتعاكي المخدارات..
سلوكه كمراهق كان يتجه فجأة ودون مقدمات للعنف، ليصبح في دائرة نظر الشرطة المحلية، لكن لا شيء ينبه إلى ميول متطرفة محتملة.
والدته قمرة العيساوي تقول إنها طالما عارضت سلوكه.. أخبرته أن سلوكه يؤدي إلى إهدار للمال الذي لا تجده الأسرة الفقيرة بسهولة.
سنه الآن صار 21 عامًا. في حياته الجديدة، كان عيساوي حريصًا على الرحيل عن تونس في أية فرصة.
حاول مرة على الأقل عبور البحر المتوسط إلى سواحل إيطاليا لكنه فشل، قبل أن يرحل للمرحلة الأخيرة، دون أن يخبر أسرته هذه المرة.
بحسب المدعين العامين في تونس وصقلية، استقل العيساوي قارب صيد صغيرًا انطلق من تونس في 14 سبتمبر 2020، رفقة 20 شابًا من مواطنيه. ولحسن الحظ - أو ربما لسوئه - سمحت الأحوال الجوية في هذا اليوم بوصول 26 قاربًا إلى لامبيدوسا بأمان، يحمل كل منها ما بين 10 و 20 شخصًا.. أحدهم كان العيساوي.
حتى هذه اللحظة، لم تكن أسرة عيساوي في تونس تعرف مصير ابنها بعدما أبلغت السلطات في تونس عن اختفائه..
فور وصوله إلى إيطاليا خضع للاستجواب. لم يكن يحمل أية أوراق هوية، لكن السلطات لم تلحظ أي إشارة تدعو إلى القلق بشأن الشاب الوافد عبر رحلة هجرة غير شرعية.
ألحقته السلطات بإحدى سفن الحجر الصحي "رابسودي" مع 804 مهاجرين غير شرعيين، في 23 سبتمبر. نتيجة الاختبار كانت سلبية، فرست سفينة الحجر في ميناء باري في 9 أكتوبر. التقطت السلطات صورة العيساوي وسجلته كمهاجر غير شرعي.
بعد إكمال إجراءات الاستجواب في باري، سلمته السلطات الإيطالية أمرًا كتابيًا بالرحيل عن البلاد خلال أسبوع، لكنها لم تحتجزه.. إجراء عادي تتبعه إيطاليا مع المهاجرين غير الشرعيين، لكن الوضع أصعب على الأرض.. إجراءات العودة غالبًا ما تتأخر بسبب كثرة الوافدين من تونس.
فولفيو فاسالو باليولوجو، أستاذ قانون اللجوء بجامعة باليرمو، يقول إن حوالي 50 شخصًا ينقلون أسبوعيًا إلى مركز مهاجرين خاضع للحراسة قبل إعادتهم إلى تونس بالطائرة، لكن السلطات تسمح بإطلاق سراح الباقين بعد التعهد بتنفيذ قرار المغادرة.
وزيرة الداخلية الإيطالية، لوسيانا لامورجيز، تقول إن مراكز الإعادة تتجاوز قدرات بلادها المثقلة بالأعباء. بالتالي تحتجز فقط الأشخاص المشتبه بهم من الأجهزة المحلية أو السلطات التونسية.
فور إطلاق سراحه، اتصل عيساوي بأسرته. أخبرهم أنه وصل إلى إيطاليا، بحسب شقيقه ياسين.
يقول مسؤولون إيطاليون إنه لم يكن على قائمة المراقبة للشرطة التونسية، ولم يكن على رادار أجهزة المخابرات. مسؤولون تونسيون أكدوا كذلك أن العيساوي لم يُدرج على أي قائمة اشتباه في البلاد. هذا يعني أنه عندما يتلقى أمر طرد من إيطاليا، يمكنه الذهاب إلى حيث يشاء.
أمضى عيساوي أسبوعين في صقلية، على الأرجح في باليرمو، دون رقابة شرطية. استضافه صديق، ووجد هو عملًا في قطف الزيتون المنطقة لعدة أيام، ثم غادر فجأة.
وكما الحال في تونس وإيطاليا، لم يكن العيساوي مسجلًا على قوائم المراقبة في فرنسا التي تقول الجارديان إنه ربما سافر إليها بشكل غير قانوني عبر فينتيميليا على الحدود بين البلدين.
قبل حادث نيس بيوم واحد، اتصل العيساوي بأسرته في الثامنة مساء، وأخبرهم أنه وصل فرنسا.
يقول شقيقه ياسين إنه أخبرهم أنه قرر الانتقال إلى فرنسا لأن إيطاليا مزدحمة بالباحثين عن عمل، ولأن فرنسا توفر فرص توظيف أفضل.
وتقول شقيقته عفيف إنه وصل كنيسة روتردام في نيس عله يجد مأوى للنوم. أخبرها أنه يستريح في مبنى مقابل للكنيسة حتى يواصل البحث عن فرصة عمل في اليوم التالي. تضيف أنه كان طبيعيًا تمامًا خلال الاتصال.. لم يبد عليه ما يشير إلى ما هو مقدم عليه.
بعد 12 ساعة فقط، دخل العيساوي كنيسة نوتردام في نيس، يحمل سلاحًا وهاتفين ومصحفًا، حيث قتل رجلًا وامرأتين بسكين.
سرعان ما أطلقت الشرطة النار عليه، ثم نقلته إلى المستشفى في حالة حرجة تحت حراسة مشددة.
السلطات اعتقلت التوانسة الذين تعامل معهم في فرنسا. جماعة تطلق على نفسها "تنظيم المهدي في الجنوب التونسي" أعلنت مسؤوليتها عن الحادث.. ولا تزال التحقيقات جارية.
في تونس، تقول أسرة عيساوي إنها نريد الحقيقة حول كيفية تنفيذه للهجوم الإرهابي.. تطلب لقطات مصورة التقطتها كاميرات المراقبة. "لن أتخلى عن ابني خارج البلاد.. أريده حيًا أو ميتًا"، تقول والدته قمرة، بينما يقول والده وشقيقه وسام إنه إذا نفذ العيساوي الهجوم بالفعل، فينبغي أن يواجه العدالة.
"نحن مسلمون، نحن ضد الإرهاب، نحن فقراء"، يقول وسام. "أظهروا ما يؤكد أنه ارتكب هذه الجريمة الإرهابية، وليحصد ما زرع".
المشتبه به في هجوم نيس الإرهابي اتصل بأسرته قبل ساعات من الهجوم (الجارديان)
هجوم كنيسة فرنسا: عائلة المهاجم تسعى للحصول على إجابات (إيه بي سي نيوز)