قبل أيام، رفضت ألمانيا منح الجنسية لرجل من أصل لبناني؛ لأنه رفض مصافحة موظفة. هذا خبر مهم للغاية في دلالته.
لكي نفهم تلك الدلالة، يجب أن نبدأ من أصوات تندد بالتصرف الألماني على خلفية “الحرية الشخصية”. الرجل اللبناني الأصل لم يرتكب جريمة. لقد اختار فقط ألا يصافح النساء.
وصحيح أن الرجل اللبناني الأصل لم يرتكب جريمة. لو فعل لحوكم قضائيًا. لكنه لم يحاكم. كل ما حدث معه أن الميزة الاختيارية التي تمنحها مجتمعات غربية لبعض الغرباء لكي يتحولوا من ضيوف إلى مواطنين سحبت منه. الوطن الألماني لا يريده فردًا فيه. لا أكثر ولا أقل.
هذا تغير مهم.
تغير أعلى صدى حدث في فرنسا. بعد أيام من خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون ذي اللغة الجديدة في رفضه الجماعات الانفصالية/الانعزالية، التي تريد أن تفرض على المجتمع الفرنسي أو جزء منه أو حتى مواطن واحد من مواطنيه قوانين مختلفة عن قوانين الدولة. بعد أيام من هذا الخطاب، قتل شاب مسلم من أصل شيشاني مدرسًا فرنسيًا لمجرد أنه عرض كاريكاتور ينتقد النبي محمد في فصل دراسي.
هل يكره ماكرون الإسلام؟ ما الذي أزعج رجال الدين فعلًا في خطابه؟| فيروز كراوية
هذه صورة فجة مما كان يتحدث عنه الرئيس الفرنسي. القوانين الفرنسية تمنح المواطن الفرنسي حرية التعبير عن رأيه، في انتقاد ما شاء. المواطن الفرنسي لم يحصل على هذه الحرية إلا بعد صراعات طويلة، لم تنته إلا بضمان حرية كل شخص في ممارسة اعتقاده، وتحرر كل فرد آخر من فرض هذا المعتقد عليه.
لكن القوانين التي يريد الانعزاليون فرضها تسعى إلى استثناء المسلمين وحدهم من هذا. مع احتفاظهم بحقهم في انتقاد معتقدات الآخرين.
هل يقبل عاقل هذه المعادلة؟ لا.
خرجت مظاهرات تندد بما حدث وترفضه. وأكثر من ذلك، قررت 13 منطقة في فرنسا توزيع كتيبات تحوي رسوما كاريكاتيرية تنتقد رموزا دينية وساسة. في رسالة واضحة إلى المتشددين بأن فرنسا مصرة على قيمها. وفي تحد ليس فقط للمتشددين، بل للأصوات التي طالما مالأت المتطرفين، ورضخت لسلوكهم الإجرامي، وبحثت له عن مبررات.
إخواني المغرب العربي صنيعة طارق رمضان.. اللغة فرانكفونية والمعنى قرضاوي | هاني عمارة
حين نقول فرنسا وألمانيا، فنحن نتحدث عن قادة الاتحاد الأوروبي. بعد عام واحد من انفصال بريطانيا عنه، في تصرف كان من أهم أسبابه موقف أوروبا – وألمانيا تحديدًا – من قضايا الهجرة. والتحذيرات من سيطرة فكر وقيم المتشددين المسلمين على أوروبا. بعد أن تسببت تلك القيم في تأخر بلدانهم الأصلية.
خمس سنوات فقط من ٢٠١٥ إلى الآن. وما بدأ في شرق أوروبا من تحذير من خطورة المتشددين المسلمين المتسربين من خلال الجاليات المسلمة وصل إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا وطبعًا أمريكا ترامب. مما يعني أنه حتى في حال وصول الديمقراط، حلفاء المتشددين الإسلاميين، إلى الحكم فسوف يجدون عالمًا مختلفًا.
هذه أيضًا أربع سنوات فقط منذ كان بايدن نائبًا لأوباما إلى اليوم.
المسلمون العاديون، للأسف، يفقدون تمايزهم عن المتشددين. وهذا، للأسف أيضًا، سيجعلهم يدفعون الثمن.
استخدمت تعبير للأسف مرتين لكنني لا أقصد به أن المسلمين العاديين معفون من المسؤولية. لقد كان واجبًا عليهم قبل غيرهم أن يلفظوا رجال القرون الوسطى من التحدث باسمهم. أوروبا لم تترك القرون الوسطى وتوصد الباب الرئيسي عنها لكي تعود إليها من باب الضيوف.
الديمقراطية التوحيدية | هيا نلعب ونمرح تحت سقف المرشد الأعلى | خالد البري
الإسلامجية نجحوا في نشر سر علني، كريه ومنفر، مفاده أن المسلم سمحٌ يتقبل الآخر وهو مستضعف. متسلط وعنصري ومجرم نحو الآخرين إن تمكن. سر صار المسلمون العاديون أيضا يستخدمونه، كما نرى جميعًا، من أول تعليقات فيسبوك، حتى أحاديث المقاهي.
حتى الشيوخ الوسطيون في التليفزيون العادي بتاعنا دا، اسمع فتاواهم حين يرد إليهم تساؤل من مغترب يعيش في أوروبا فيسأل عن تعامله مع محيطه في البلد الجديد. ستجده يقدم له ثلة من الأخلاق تحت شعار “أخلاق مرحلة الاستضعاف”. حين يكون لديك ثلة من الأخلاق تحمل هذا العنوان، فلا بد وحتمًا ولزمًا أنك تملك ثلة أخرى، في الدرج المجاور، تحت شعار التمكين.
حقيقة نراها جميعًا. نشاهدها جميعًا. نسمعها جميعًا. لكننا لا نتوقف عند فكرة أنها تقدم الإسلام وكأنه دين بلا قيم، وبلا شخصية، وكأنه دين مصبوب على قالب أناس لا أمان لهم، وليسوا أهلًا للثقة.
والآخرون ليسوا أغبياء. النتيجة الطبيعية الوحيدة لهذا أن يعمل الآخرون جاهدين لكي لا ينتقل المسلم من حال الاستضعاف إلى حال التمكين، أو حتى حال “القدرة على إحداث نكاية”. أن يبقى في حال الاستضعاف دائمًا.
الحال التي سيتغذى مرارتها المسلمون العاديون. طالما يرددون بلا تدبر، وبأنانية لا تفكر في الآخرين من حولهم، نفس منطق المتشددين.
نظرة أعمق | أفخاخ الإسلاميين.. كيف يتلاعبون بالألفاظ لتمرير أفكار تخدمهم؟ | هاني عمارة