تركيا في عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان خسرت تقريبًا كل جيرانها وحلفائها، وخصوصًا إسرائيل. بدأت مؤخرًا، بدافع من الأزمة الاقتصادية والخوف من العقوبات، محاولة لتصحيح أخطائها السابقة في حق جيرانها وحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.
أردوغان قال إن بلاده ترغب في تحسين علاقاتها مع إسرائيل.
هاآرتس تقول إن التصريحات، حتى سنوات قليلة ماضية، كانت لتصبح موضع ترحيب كـ “رسالة دبلوماسية مهمة ستحصد إسرائيل ثمارها بسرعة”، لكن الخريطة الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط مختلفة الآن.
إسرائيل باتت مطالبة باستشارة الحلفاء أولًا قبل الرد على أردوغان: السعودية ومصر والإمارات وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي، وكذلك عليها الانتظار لمعرفة موقف الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن من نظيره التركي.
س/ج في دقائق
كيف يحاول أردوغان إصلاح مشاكله مع جيرانه وخصوصًا إسرائيل ؟
تركيا التي تبنت قبل 15 عاما سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” متورطة في علاقات صعبة ومتوترة مع معظم دول الشرق الأوسط.
السعودية تفرض عليها مقاطعة غير رسمية.
خيوط الدبلوماسية مقطوعة تمامًا مع مصر والإمارات.
خسرت نظام بشار الأسد في سوريا.
توتر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب نزاعاتها في شرق المتوسط وتقاربها مع روسيا.
حتى روسيا تعتبرها فقط “شريكًا ودودًا” لا “حليفًا إستراتيجيًا”.
مؤخرًا، يحاول أردوغان تصحيح المسار: تواصل مع الملك سلمان، ونجح في إقناع السعودية بالإعلان رسميًا عن عدم وجود مقاطعة، وفي الوقت نفسه، سمحت أنقرة لشركة النفط السعودية أرامكو ببناء مصنع للمنتجات البترولية في تركيا.
وفي بيان موجه إلى الاتحاد الأوروبي، قال أردوغان إنه يأمل في “فتح صفحة جديدة” في 2021 مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وكجزء من هذا التحول الدبلوماسي، ستستقبل إسرائيل قريبًا السفير التركي الجديد، أوفوك أولوتاس، وبالإضافة إلى ذلك، تعتزم شركة يلدريم هولدنج الملاحية التركية تقديم عطاءات لشراء ميناء حيفا.
أردوغان، الذي انتقد الإمارات عندما وقعت الأخيرة على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، كان أكثر تصالحية فيما يتعلق بالتطبيع مع المغرب.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال إن الدول لديها الحق في إقامة علاقات دبلوماسية مع أي دولة تريدها، وهكذا أكد أردوغان بشكل غير مباشر تقارير زيارة رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان إلى إسرائيل ولقائه برئيس الموساد يوسي كوهين.
ولماذا بدأ أردوغان التراجع فجأة عن كل خطواته القديمة؟
خطوات أردوغان الجديد ليست منفصلة عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تغرق فيها تركيا منذ أكثر من عامين. انهيار السياحة، وارتفاع الأسعار، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وزيادة البطالة، وفيروس كورونا، كلها تتطلب من تركيا إيجاد مصادر تمويل إضافية يمكن أن توفر فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل.
كما أن العقوبات الأمريكية على مبيعات الأسلحة التركية التي تحتوي على قطع غيار أمريكية وقيود على التجارة مع أوروبا، إذا أقرتها قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في مارس، قد توجه ضربة قاتلة للاقتصاد التركي، وتعيق قدرته على جمع رأس المال من المؤسسات الدولية.
ستحتاج تركيا إلى إعادة تأهيل كبيرة لعلاقاتها مع جيرانها، الولايات المتحدة وأوروبا، قبل أن تتمكن من تغيير وضعها من دولة مشبوهة إلى قوة إقليمية رائدة في الغاز كما تأمل.
تعرضت تركيا بالفعل لجولة أولى من العقوبات عندما فرضت إدارة ترامب قيودًا على رؤساء هيئة صناعة الأمن لديها، وأزالت تركيا من برنامج بناء طائرات F-35.
لكن من الواضح أن هذه الحزمة لن تكون كافية لإرضاء الكونجرس، الذي يريد عقوبات أقسى على تركيا، أو الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي وعد ناخبيه بأنه على عكس ترامب “يعرف كيف يتعامل مع تركيا”.
تقول هاآرتس إن تصريحات أردوغان حتى سنوات قليلة ماضية، كانت تتلقى الترحيب كرسالة دبلوماسية مهمة يجب أن تحصد إسرائيل ثمارها بسرعة، لكن الخريطة الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط تتطلب مزيدًا من الحذر.
تجد إسرائيل نفسها مضطرة أولًا للتشاور مع أصدقائها الجدد، وخاصة السعودية ومصر، لتنسيق المواقف تجاه تركيا. هذه الدول مهمة لإسرائيل ليس فقط بسبب مصالحها الإستراتيجية لمواجهة إيران، ولكن أيضًا بناءً على تفاهمات بأنها تتفق في نظرتها تجاه تركيا.
وكما هو الحال مع الدول العربية، لن تنفصل علاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص ومع الاتحاد الأوروبي عن موقفها تجاه تركيا.
ستحاول إسرائيل الإجابة على عدة أسئلة قبل قبول التقارب التركي:
– هل يجب أن تستمر في عضويتها في منتدى غاز المتوسط، الذي انضمت إليه مصر والأردن وفلسطين واليونان وقبرص ومؤخرًا الإمارات، بينما تعمل على توطيد علاقاتها مع تركيا؟
– هل سيتحتم عليها اختيار محور ولائها؟ لم يكن هذا السؤال مطروحًا على جدول الأعمال خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب، ولكن يتعين على إسرائيل الآن التدقيق أولاً في سياسة بايدن تجاه تركيا قبل أن تسرع لمنح موافقتها لأردوغان.